مهرجان الأفق الثالث: فلسطين والأفكار التي نؤمن بها

10 مايو 2024
من تظاهرة تضامنية في بورتوريكو، 17 أكتوبر 2023 (أليخاندور غراناديو / الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مهرجان الأفق الثالث للأفلام الكاريبية في ميامي يعلن تضامنه مع القضية الفلسطينية، مطالبًا بوقف إطلاق النار والتحقيق في الجرائم الإسرائيلية، في موقف يخالف تواطؤ وانحياز بعض المؤسسات الفنية الأخرى.
- يركز المهرجان على تقديم الأفلام السردية والواقعية التجريبية، معتبرًا نفسه منصة للتعبير عن النضالات الإنسانية ودعم صناع الأفلام المستقلين الذين يعكسون قضايا الاستعمار والتحرر.
- في دورته الأخيرة، قدم المهرجان أفلامًا تعكس تضامنه مع فلسطين، بما في ذلك فيلم "Jehad in Motion"، مؤكدًا على التزامه بدعم الأصوات المهمشة والمضطهدة واستخدام السينما كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي.

منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تورّطت العديد من المؤسسات الفنية المعروفة في سياسات التواطؤ والانحياز ضد وجهات النظر الفلسطينية، ومن بينها مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي عُقد في فبراير/شباط الماضي. وفي الوقت الذي التزمت فيه معظم هذه المؤسسات والمهرجانات السينمائية الصمت أمام الجرائم الإسرائيلية المُرتكبة في قطاع غزة، كان مهرجان الأفق الثالث للأفلام الكاريبية من أوائل الداعمين لنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا العدوان.

مهرجان الأفق الثالث: صناعة الأفلام السردية والواقعية

تأسس مهرجان الأفق الثالث في مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأميركية على يد مجموعة من صناع الأفلام المنتمين إلى منطقة الكاريبي. انطلقت الدورة الأولى من هذا المهرجان في عام 2016، وعقدت دورته الأخيرة في عام 2022، في الوقت الذي كان العالم يتعافى فيه من أثر جائحة كوفيد-19 وتوابعها الاجتماعية والسياسية.
ركّز مهرجان الأفق الثالث منذ انطلاقه على صناعة الأفلام السردية والواقعية التجريبية من منطقة البحر الكاريبي والشتات. في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أصدرت المجموعة المنظمة للمهرجان بياناً واضحاً تستنكر فيه العدوان الإسرائيلي، وتطالب بوقف إطلاق النار فوراً، وتدعو المجتمع الدولي إلى التحقيق في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال إسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
وأعلن البيان الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حينها، التضامن مع الفلسطينيين الذين يقاومون بشجاعة الإبادة الجماعية، ويدافعون عن حياتهم ضد الاستعمار الاستيطاني العنصري والظالم. البيان الذي أصدرته إدارة مهرجان الأفق الثالث، لم يكن مفاجئاً من مؤسسة لطالما دافعت عن صانعي الأفلام المناهضين للاستعمار منذ بدايته.
بعد ما يزيد عن ستة أشهر من البيان المُشار إليه، لم يتغير شيء، بل زادت الأمور سوءاً، كما يقول مدير برنامج العروض في المهرجان، جوناثان علي. من أجل هذا، لم يكن من الممكن التغاضي عمّا يحدث في النسخة الجديدة من المهرجان، التي انطلقت مساء أمس الخميس (9 مايو/أيار) وتستمر حتى 13 من الشهر نفسه. وأصدر المهرجان بياناً جديداً قبل أيام من انطلاقه، يعلن فيه انحيازه إلى نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الإبادة الجماعية التي يتعرّض إليها.

صانعو الأفلام يدافعون عن مبادئهم

يقول البيان: "لم يغب عنا أن العديد من المهرجانات والمؤسسات الكبرى التي تتفاخر بطبيعتها التقدمية قد أصابها التخبط، كما التزم كثير منها الصمت عندما تعلّق الأمر بالعدوان الإسرائيلي على غزة. لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فقط، بل وصل إلى التهديد بإسكات صانعي الأفلام الذين تجرؤوا على رفع أصواتهم حول هذا الموضوع". يتعامل البيان مع هذه الأوضاع والسياسات، كما يقول، باعتبارها حافزاً على الاستمرار في المسار الذي اختاره مؤسسوه، لثقتهم بقوة السينما التي يدافعون عنها لتحفيز وإلهام الناس في سعيهم الدائم إلى التحرر.
يؤمن مؤسسو المهرجان، بحسب البيان، بأن صانعي الأفلام الذين يدافعون عن مبادئهم هم الذين يتحملون العبء الأكبر، ويعكسون في أعمالهم ما يدور حولهم، كما يؤمنون بأن السينما هي أحد أشكال المقاومة وأداة مهمة للتغيير الاجتماعي والسياسي. لهذا، يعلن المهرجان انحيازه إلى صنّاع الأفلام المستقلين المُعبرين عن النضال الإنساني بتجلياته المختلفة ويتضامن معهم.
يدعم المهرجان، كما يقول في بيانه، جميع الأشخاص المضطهدين في كل مكان في نضالاتهم المختلفة من أجل الحرية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، خاصة في منطقة البحر الكاريبي، وغيرها من مناطق الجنوب العالمي التي عادة ما يجري تمثيلها تمثيلاً ناقصاً وتقليدياً. يقول البيان إن الوضع الحالي الذي يعيشه العالم "يشجعنا على الاستمرار في المسار الذي وضعناه لأنفسنا، واثقين من قوة السينما التي ندافع عنها لتحفيز وإلهام الناس في سعيهم الدائم للتحرر".
يقول جوناثان علي إنهم يسعون جاهدين إلى أن يتحول المهرجان إلى منصة لأعمال المخرجين المهتمين بمثل هذا النوع من القضايا والنضال ضد الاستعمار، وهو ما عانت منه الشعوب الكاريبية جميعها بمختلف ثقافاتها ولغاتها على مدار تاريخها. ويضيف علي أن قائمة الأفلام المُشاركة في هذه الدورة من المهرجان "تبدو أكثر تماشياً مع الأفكار التي نؤمن بها"، وستشمل تسعة أفلام طويلة، و29 فيلماً قصيراً، بالإضافة إلى العديد من جلسات النقاش والندوات والأنشطة الأخرى التي سيعلن عنها في حينها. سيقام حفل افتتاح المهرجان في متحف بيريز للفنون في ميامي بعرض مجموعة من الأفلام القصيرة التي تُعرض لأول مرة لعدد من المخرجين الشباب.
يضم المهرجان أفلاماً وثائقية مثل "مكالمات من موسكو"، و"لغز هارولد سوني لادو"، ومن الأفلام التي تجمع بين الوثائقي والروائي يأتي فيلم "رامونا" من جمهورية الدومينيكان، الذي يتتبع مجموعة من اللقاءات مع مراهقات حوامل يعشن في بيئات خطرة، ويتعرض للظروف الاجتماعية التي قادتهن إلى هذا الوضع.
وكجزء من برنامج المهرجان للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يقدم المهرجان بين عروضه للأفلام القصيرة فيلم Jehad in Motion للمخرج الكندي ريتشارد فونغ (Richard Fung)، وهو من إنتاج عام 2007. العمل عبارة عن تركيب فيديو من شاشتين، يحكي الفيلم قصة جهاد علوي وهو فلسطيني مقيم في تورونتو، لكنه يعود بانتظام لزيارة عائلته في الخليل.

يُعرض العمل على شاشتين، وهو عبارة عن صورة مزدوجة للرجل والمدينتين اللتين يعتبرهما وطنه. في الخليل، يأخذنا جهاد إلى السوق القديمة، حيث استعمر المستوطنون اليهود الطوابق العليا، ما أجبر الفلسطينيين على بناء سياج أفقي لحماية أنفسهم.
وفي تورونتو، نتجول في أحد المتنزهات، حيث يعمل جهاد في تقديم الخدمات للمهاجرين الوافدين حديثاً. ثم نعود لمدينة الخليل حيث يحتفل جهاد بزفاف أخته في وليمة لألف شخص، ثم نراه مرة أخرى في تورونتو وهو يطهو في عيد الفصح. في مراوحته هذه، يجمع جهاد التحديات والإمكانيات في هذين العالمين المختلفين للغاية والمتداخلين أيضاً. مُخرج الفيلم ريتشارد فونغ هو فنان وكاتب وُلد في ترينيداد، ويعيش ويعمل في تورونتو حالياً، تتنوع موضوعات أفلامه بين الاستعمار والهجرة والعنصرية وتاريخه الشخصي.

المساهمون