مهرجانات صيف 2021: الأمان ضيف يفصل بين المقاعد

11 يونيو 2021
من دورة سابقة لمهرجان قرطاج (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتابين حال المهرجانات العربية الكبرى، تجاه إقامتها هذا الصيف بشكلها الطبيعي، مع مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي، وبين الإلغاء للعام الثاني على التوالي، بسبب فيروس كورونا المستجد، الذي وضع العالم في حالة خوف وترقب، منذ أكثر من 15 عشر شهراً.
المتأمل لخريطة المهرجانات العربية الكبرى، يجد أنها باتت محصورة في عدة مهرجانات تساهم عراقتها وتاريخها الكبير بأن تبقى في ذهن الجمهور مصدراً لثقافة الفرح والفن والموسيقى، كون إقامتها تعد دليل عافية ثقافية وإنسانية. فبعد غياب قسري، العام الماضي، يعود "مهرجان قرطاج الدولي" هذا العام بدورته السادسة والخمسين، للانعقاد ما بين الثامن من يوليو/ تموز وحتى السابع عشر من أغسطس/ آب المقبل، فيما لم يُحسم بعد أمر إقامة "مهرجان جرش للثقافة والفنون"، في دورته الخامسة والثلاثين، بينما تأكد غياب كل من "مهرجانات بيت الدين" و"مهرجانات بعلبك الدولية" اللبنانيين و"مهرجان الفحيص" (الأردن)، ومعها أيضاً "مهرجان موازين: إيقاعات العالم" في المغرب للعام الثاني على التوالي، وكان قد غاب أيضاً في بداية هذا العام مهرجانا "ربيع سوق واقف" القطري و"هلا فبراير" الكويتي، فيما تقام الدورة الثلاثين لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

عودة خجولة
في تونس، أعلنت إدارة "مهرجان قرطاج الدولي" عن إقامة الدورة السادسة والخمسين للمهرجان بعد احتجاب العام الماضي، بهويّة بصرية جديدة وتسخير مكانين جديدين للفعاليات، إضافة إلى المسرح الأثري في قرطاج، بحسب المدير الجديد للمهرجان عماد اللعيبي، الذي أشار إلى تركيز المهرجان على تقديم عروض موسيقية تونسية وأخرى شعبية، إضافة إلى الموسيقى السمفونية وموسيقى الجاز.

المتأمل لخريطة المهرجانات العربية الكبرى، يجد أنها باتت محصورة في عدة مهرجانات تساهم عراقتها وتاريخها الكبير بأن تبقى في ذهن الجمهور مصدراً لثقافة الفرح والفن والموسيقى

ووفق البرنامج، الذي تم إعلانه مساء الثلاثاء (8 يونيو/ حزيران)، لوحظ غياب نجوم الغناء الكبار من المطربين التونسيين والعرب عن الفعاليات، فرغم احتواء البرنامج الفني على 24 عرضاً موسيقياً، خلا من مشاركة النجوم الجماهيريين، فيما كانت سعاد ماسي والهادي حبوبة والفلسطينية دلال أبو آمنة أبرز المشاركين؛ الأمر الذي عزته الكاتبة الصحافية التونسية ضحى السعفي إلى سببين، أولهما: "تحديد عدد الحضور الجماهيري إلى نصف سعة المسرح الروماني في قرطاج؛ تطبيقاً لإجراءات التباعد الاجتماعي خوفاً من انتقال فيروس كورونا بين الجمهور"، وثانيهما: "الظروف المالية الصعبة التي تمر بها تونس، والتي تفاقمت بسبب انتشار الفيروس، فأصبح من الصعب جلب نجوم كبار وتلبية مطالبهم المالية الذين أصبحت أرقام التعاقد معهم فلكية". وتضيف السعفي: "أرى أن إدارة المهرجان حاولت إمساك العصا من المنتصف، إذ قررت عقد المهرجان بأسماء تونسية محلية، وبعض الأسماء العربية التي لا تملك قاعدة جماهيرية، قد تجلب تعبئة جماهيرية خطرة".

غياب القبلة الفنية
في لبنان، توارت المهرجانات الصيفية التي كان ينظر إليها باعتبارها قبلة فنية جامعة، بحسب الكاتبة الصحافية اللبنانية ندى مفرج سعيد، التي علقت على غيابها للعام الثاني توالياً بالقول: "في السنوات الماضية كان اللبنانيون مثل خلية النحل تحضر للمهرجانات المتعددة، امتداداً من بيت الدين إلى بعلبك وجبيل وصيدا وصور وحتى بيروت، حيث كان لبنان مقصداً حقيقياً لللبنانيين والمغتربين والسياح العرب، وكانت المهرجانات قبلة الفنانين والجماهير، لكن المشهدية الفنية والثقافية تراجعت واختلفت، فكان فيروس كورونا سبباً رئيسياً، لينظم إلى الوباء العالمي الوضع الاقتصادي المتردي الذي جعل من عودة المهرجانات أمنية صعبة التحقق، وهو ما سيؤثر على استعادة لبنان لدوره الثقافي والفني على المستوى العالمي".

وترى سعيد أن المهرجانات الكبرى تلفظ أنفاسها الأخيرة، مؤكدة على أنه "للأسف لا توجد حلول واقعية على المدى المنظور لعودة هذه المهرجانات، فالوضع على الأرض لا يبشر بالخير، والأمر يحتاج لتدخل الدولة لإنعاش السياحة، وهذا لن يتحقق إلا بالأمن على الأرض وبتعافي الوضع الصحي، فالسياحة رافد أساسي لميزانية الدولة غير القادرة على بسط الاستقرار الاقتصادي في هذه المرحلة، فنحن نحتاج بدايةً لحل الأزمة السياسية والاقتصادية والصحية قبل عودة السياحة والمهرجانات مجدداً".

حالة اختناق
في المغرب، يرى الكاتب الصحافي والباحث المغربي نزار الفراوي أن الإعلان عن تخفيف الإجراءات الاحترازية والبدء بتطبيق جواز السفر الصحي، لم يكن كافياً لعودة مهرجان بحجم "موازين"، الذي يحتاج إلى أشهر من التحضير والبرمجة، مضيفاً: "الأمر كان صعباً، لأنه مرتبط أساساً بتطور الحالة الوبائية في دول العالم وليس في المغرب فقط، فمهرجان (موازين)، وكذلك مهرجانا (فاس للموسيقى الروحية) و(مراكش السينمائي)، كانت تقيم نشاطات ثقافية وفنية وضعت المغرب على خريطة أهم التظاهرات الفنية العالمية، بما تقدمه من فنون تنشيطية تؤثر بشكل كبير إيجابياً على قطاعات السياحة والترفيه والاقتصاد أيضاً، لذا ساهم توقف مهرجانات من هذا القبيل ولو كانت موسمية، في إفراز حالة اختناق في صفوف الشباب من الفنانين والمتلقين الذين اضطروا إلى لزوم البيوت شهوراً طويلة". ويجد الفراوي أن كل الرهانات المرتبطة بعودة إقامة المهرجانات المغربية تعطلت في زمن الجائحة التي عرت الاختلالات البنيوية للمشهد الفني المحلي.

"جرش" مهرجان خريفي
مع قرار الحكومة الأردنية فتح القطاعات تدريجياً، اعتباراً من بداية الشهر المقبل، بعد تدني نسبة الإصابات، ووصول عدد متلقي لقاح فيروس كورونا إلى مليون ونصف مليون شخص، جهزت الحكومة خطة لإنعاش الموسم السياحي انطلاقاً من شهر يوليو/ تموز المقبل، ويغيب للعام الثاني على التوالي "مهرجان الفحيص" لصعوبة تحضير برنامج فني ثقافي يضاهي دورات المهرجان الثماني والعشرين الفائتة، بحسب تصريح إدارته، لـ"العربي الجديد"، لكن يبقى أمر إقامة "مهرجان جرش للثقافة والفنون" مرهونا بقرار الحكومة الأردنية بحسب تطورات الوضع الوبائي.

واطلعت "العربي الجديد" على خطة مقترحة قدمتها إدارة المهرجان لإقامته، لكن في توقيت يخالف موعد إقامته المعتاد في شهر تموز/ يوليو من كل عام، إذ ترغب بعقده ما بين نهاية شهر أيلول/ سبتمبر ومنتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أي في فصل الخريف. وتتمحور خطة عقد المهرجان بين "إقامة الفعاليات بشكل طبيعي بمشاركة أردنية وعربية وعالمية"، أو "اقتصار الفعاليات على الفنانين الأردنيين في موقع المدينة الأثرية في جرش (48 كلم شمال العاصمة عمان)"، أو "استثمار المنطقة السياحية الآمنة التي يُطلق عليها اسم (المثلث الذهبي، وتضم البترا ووادي رم والعقبة) في إقامة الفعاليات بشكل طبيعي، بعدما وصلت نسبة الحجوزات الصيفية لفنادق المثلث الذهبي منذ الآن إلى 80 في المائة، كون هذه المنطقة لم تسجل إصابات بالفيروس منذ عدة أشهر".

المساهمون