بمناسبه رحيله في مثل هذه الأيام، نتذكر ونتساءل: هل هناك فنان تعرضت أعماله للمنع والحرق ــ بالمعنى الحرفي للكلمة ــ كالفنان كرم مطاوع؟
على سبيل المثال: تعرضت مسرحية "ثأر الله" (1972) للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، ومن إخراجه للمنع، بحجة عرض شخصية حمزة عم الرسول، على خشبة المسرح. وكانت البروفات تقام على خشبة المسرح القومي العريق، تمهيدا للافتتاح . وقتها أجرى المخرج 30 بروفة، بينها 15 أمام الجمهور.
وقتها كان المشاهدون يملأون صالة المسرح عن بكرة أبيها. وقد كان كرم مطاوع يعي بحس الفنان أن هذه المسرحية ستثير حفيظة السلطة، لا بسبب اتكائه على الدين فقط الذي اتخذه مصدراً لعمله وإنما لمعناه ودلالته السياسية الخطيرة. وبالفعل صدق حدسه ومنعت المسرحية.
ننتقل إلى مسرحية أخرى، وهي "دنيا البيانولا" من تأليف الكبير صلاح جاهين التي عرضت على مسرح البالون. وقتها اندلع حريق كبير، طاول مسرح البالون، والسامر، والسيرك القومي طبعاً تبخّر عرض "دنيا البيانولا" الذي لم يسجّل تلفزيونياً.
وفي أوائل الثمانينيات كانت مسرحية "روض الفرج" تأليف سمير سرحان وديكور المبدع الكبير حسن فؤاد. فعلاً كان وقتها العرض مبهراً، لكن بعد الافتتاح بفترة وجيزة على مسرح محمد فريد، فوجئ الجميع بحريق يندلع في المسرح، لينقض على المكان وعلى المسرحية البديعة.
بالطبع شكلت مجموعة الإخفاقات هذه هماً مكتوماً، داخل شخصية بحجم كرم مطاوع الذي قدّم لنا دُرر المسرح المصري كمسرحية "ليلة مصرع غيفارا"، "ودنيا البيانولا"، و"النسر الأحمر".
ولا شك أن مطاوع بعد مأساة حريق مسرحية روض الفرج لم يُقدِّم إبداعاً يُذكر، سوى مسرحية "إيزيس" لتوفيق الحكيم، وقد جاء العرض مختلفاً عن عروضه المبهرة السابقة. هذا فضلاً عن فترة الغياب التي أُجبر فيها كرم على مغادرة البلاد مع زميلَيه الكبار سعد أردش، وأحمد عبد الحليم، وأستاذهم نبيل الألفي. إذ قدّم كل من مطاوع، وجلال الشرقاوي، وسعد أردش، وأحمد عبد الحليم استقالة جماعية من المسرح القومي. الاستقالة كانت بسبب إقالة عبد المنعم الصاوي من رئاسة هيئة المسرح. وشكّل هذا الحادث صداماً كبيراً مع وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة.
نضيف إلى كل ما سبق خيانة الأصدقاء، وانعدام الوفاء، وتنكر الشامتين. كل هذه التراكمات كانت بمثابة الخنجر الذى طُعن به كرم مطاوع... ليجد نفسه أسير الفراش، يعاني من مرض عضال فتك به. وقد رحل عن عالمنا قبل أن يقدم ويُنجز الكثير والكثير من أحلامه وطموحاته. رحل وحرم الجمهور العربي من مبدع قليلا ما يجود بمثله الزمان.