منصات البثّ تنفض من حول "المنشق"

26 ديسمبر 2020
اغتيل خاشقجي عام 2018 في إسطنبول (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -

ساهم المخرج الأميركي براين فوغل في الكشف عن فضيحة المنشطات الروسية التي أدت إلى استبعاد البلاد من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018، عبر الفيلم الوثائقي "إيكورس" Icarus الذي حصد جائزة "أوسكار" له ولشبكة "نتفليكس" الذي طرحته عام 2017.

وفي مشروعه الثاني الذي حمل عنوان "المنشق" The Dissident، اختار فوغل مجدداً قضية عالمية شغلت الإعلام والرأي العام، وهي اغتيال الصحافي السعودي والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، والدور المزعوم لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في هذه الجريمة.

عادة تتهافت منصات البثّ الرقمية على الأفلام الوثائقية من هذا النوع، وتحديداً حين يكون مخرجها قد فاز بجائزة مرموقة مثل "أوسكار"، لجذب مشاهدين ومشتركين جدد وحصد الجوائز. لكن الأمر لم يسر على هذا النحو مع "المنشق"، إذ بعد 8 أشهر من البحث عن موزع للفيلم الوثائقي، لم يتجاوب مع فوغل إلا شركة مستقلة لا تملك منصة بثّ على شبكة الإنترنت، كما أن نطاق انتشارها ضيق.

هكذا طرح الفيلم في صالات سينمائية أميركية يوم عيد الميلاد، يتراوح عددها بين 150 و200، على أن يصبح متاحاً للشراء على قنوات الفيديو عند الطلب اعتباراً من 8 يناير/ كانون الثاني المقبل، علماً أن الخطة الأساسية كانت تقضي بعرضه في 800 صالة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يجهضها وباء كورونا.

وهذا الإطلاق للفيلم أبعد ما يكون عن حجم الجمهور الذي كان يستطيع الوصول إليه لو تبنته منصات مثل "نتفليكس" أو "أمازون برايم فيديو" (يملكها جيف بيزوس مالك واشنطن بوست أيضاً)، ما يدل على حجم نفوذها على قطاع الأفلام الوثائقية و"تركيزها على توسيع قاعدة المشتركين لديها، وليس بالضرورة تسليط الضوء على تجاوزات النافذين"، وفقاً لفوغل.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وأضاف فوغل، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية يوم الخميس، أن "الشركات الإعلامية الأميركية الضخمة لم تعد تفكر في وقع مشروع معين على المشاهدين الأميركيين فقط، بل باتت تسأل نفسها: ماذا لو طرحت هذا الفيلم في مصر؟ ماذا يحصل إذا أصدرته في الصين أو روسيا أو باكستان أو الهند؟ هذه العوامل كلها تلعب دوراً، وتعيق انتشار قصص مثل (المنشق)".

في الفيلم الوثائقي "المنشق" أجرى فوغل مقابلات مع خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز التي كانت تنتظره خارج القنصلية السعودية في إسطنبول أثناء وقوع الجريمة. كما قابل ناشر صحيفة "واشنطن بوست" حيث كان يكتب خاشقجي مقالات رأي فرد ريان، إضافة إلى عدد من العناصر في الشرطة التركية.

أجرى مخرج الفيلم مقابلات مع خطيبة خاشقجي وناشر "واشنطن بوست" وعناصر في الشرطة التركية

وحصل على نسخة من 37 صفحة من تسجيل لما حدث في الغرفة، حيث خنق خاشقجي وقُطعت أوصاله. كذلك أمضى وقتاً طويلاً مع المعارض السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزيز الذي كان يحاول مع خاشقجي مكافحة الذباب الإلكتروني عبر "تويتر" الذي سُخّر لتشويه الأصوات المعارضة والمنتقدة في المملكة العربية السعودية.

حقق الوثائقي نجاحاً لافتاً في "مهرجان صندانس السينمائي" في يناير/ كانون الثاني الماضي، بحضور وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي حثت الحضور على مشاهدته. مجلة "هوليوود ريبوتر" المتخصصة وصفته بـ"القوي، والعميق، والمتكامل"، كما أثنت عليه مجلة "فرايتي".

حقق الفيلم نجاحاً ولفت الأنظار في "مهرجان صندانس السينمائي"

ما كان ينقص "المنشق" فقط هو تأمين منصة بثّ بارزة تتولى توزيعه ونشره، كما حصل مع فيلم "إيكورس" الذي تلقفته "نتفليكس". لكن فوغل لم يعثر على موزع إلا في سبتمبر/ أيلول الماضي، وكان الشركة المستقلة "برياركليف إنترتينمنت" Briarcliff Entertainment.

وقال فوغل إنه أطلع "نتفليكس" على مشروعه حين كان لا يزال في مرحلة الإنتاج، ولاحقاً بعد الاحتفاء الذي حظي به في "مهرجان صندانس السينمائي". لكنه لم يتلق أي رد.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الرئيس التنفيذي في "نتفليكس"، ريد هاستينغز، كان حاضراً في "مهرجان صندانس السينمائي" وشاهداً على الاحتفاء بالفيلم، إلا أن شركته لم تقدم عرضاً بشأنه، الأمر الذي كان "مخيباً للآمال، إنما غير المفاجئ"، بالنسبة لفوغل.

لم يجد فوغل إلا شركة مستقلة لتوزيع فيلمه الوثائقي أخيراً

المؤسس والرئيس التنفيذي في "مؤسسة حقوق الإنسان" Human Rights Foundation التي موّلت الوثائقي، ثور هالفورسن، قال لـ"نيويورك تايمز": "ما لاحظته أن رغبة الشركات في تحقيق الأرباح أضعفت نزاهة السينما الأميركية".

وعلّق عميد كلية السينما في "جامعة تشابمان"، ستيفن غالواي، بالإشارة إلى أن ما حصل "مخيب للآمال، لكن هذه الشركات العملاقة في سباق محموم من أجل البقاء". وأضاف في حديث لـ"نيويورك تايمز": "هل تظنون أن شركة (ديزني) ستقدم على خيارات مختلفة عبر منصتها (ديزني بلاس) أو (آبل) وغيرهما؟ هذه الشركات لديها ضرورات اقتصادية يصعب تجاهلها، وعليها أن توازن بينها وبين قضايا حرية التعبير".

المساهمون