ملاحظات حول جاسوس

01 يوليو 2023
كشف الفيلم الاستقصائي بعض الأسرار المتعلقة بشركة لافارج في سورية (جون ريفورد/Getty)
+ الخط -

ليس جديداً أن يثير الظهور التلفزيوني لفراس طلاس، ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، الجدال والخلاف بين السوريين، ولكن ظهوره هذه المرة في فيلم "مصنع الجواسيس" الذي بثته قناة الجزيرة سبب لغطاً وحيرة وانقساماً أكبر، حول دور رجل الأعمال فراس وشقيقه العميد مناف واختهما الثرية جداً ناهد عجة، ومن قبل الوزير المزمن والصديق الوفي لمؤسس حكم العائلة الأسدية العماد أول الراحل مصطفى طلاس.

يتركز النقاش والجدل والخلاف بين السوريين حول مفاهيم المواطنة، والخيانة، والوقوف مع الثورة وضدها، ومسؤولية الأفراد والتنظيمات والدول الإقليمية والقوى الدولية في المأساة السورية، وكذلك مسؤولية النظام وأفراده وداعميه عن خراب البلاد، وتشرد العباد، وتحويل السوريين، بمن فيهم الموالون، الى فقراء ولاجئين ومطاردين، فضلاً عن تحويل أفراد منهم إلى قوادين وسماسرة وخونة وجواسيس تحت الطلب.

يجاهر فراس بدوره، كشريك محلي في مصنع الإسمنت لافارج شمال سورية، بتقديم معلومات أمنية حساسة عن فصائل في الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش للمخابرات الأميركية والفرنسية بعقود مع الجهتين مقابل دفعات نقدية شهرية، ويتحدث عن مجموعات يقودها من مقر إقامته في دبي تقوم بجمع هذه المعلومات من الأرض. لماذا يقبل فراس بفضح دوره الاستخباراتي، وهو دور منحط بعدما كان يتحدث عن دور ثوري لإسقاط الديكتاتورية وهو هدف سام؟!

في الواقع سبق أن كشفت الصحافة الفرنسية أن معمل الإسمنت المملوك من شركة لافارج الفرنسية، والمقام في الشمال السوري منذ عام 2010، دفع مبالغ لتنظيمات إرهابية ليستمر في العمل حتى إغلاقه عام 2014، وقد صدرت مذكرة اعتقال فرنسية بحق فراس طلاس وقتها. وها هو ظهوره في الفيلم يحمل دلالات عدة، أبرزها رسائل حملها طلاس مفادها: قدمت هذه المعلومات بموجب عقد مع المخابرات الفرنسية، لذا لا حق لفرنسا بمقاضاتي، فهي طلبت مني هذه المعلومات التي حافظت على أرواح فرنسية، وكشفت فرنسيين تجندوا في "داعش"، كما طلبت مني هيكلية الأمن السوري في مجلسه الجديد (مجلس الأمن الوطني) برئاسة علي مملوك، وذلك بعد حل مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية إثر اغتيال خلية الأزمة التي مات فيها رئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار.

لعب والد فراس، العماد مصطفى طلاس دوراً كبيراً ومهماً على عكس ما يروّج له، في صعود حافظ الأسد ووصوله للسلطة واستمراره فيها، فكان الأسد يعهد إليه برئاسة المحاكم العسكرية للقضاء على المناهضين لحكمه ولحكم حركة 23 شباط/ فبراير. قبل ذلك كان يأتمنه على أسراره وعلى قيادة التحركات العسكرية ضد محاولات الانقلاب عليه، ومنها محاولة شقيقه رفعت الأسد. وكان هو من ساعد بشار الأسد على الوصول إلى الحكم من دون عقبات.

مات مصطفى طلاس في باريس عام 2017، واستفاق السوريون على معارك إلكترونية بين أولئك الذين عزوا فراس ومناف بوفاة والدهما، ومنهم بعض الشباب المحسوبون على الثورة والمؤمنون بأن الثورة تحجب ما قبلها، وبين من رفض نسيان ماضي أسرة طلاس مشككاً بانشقاق الشقيقين. وعندما سألت صديقاً عزى فراس، وهو من الشباب الثائرين، أجابني بأنه من ساعدني على الفرار من سورية وهو الوحيد الذي قدم لي مساعدة مالية.

يدافع فراس عن نفسه على صفحته على "فيسبوك" قائلاً إنه فعل ما فعل ليدافع ويحافظ على لقمة عيش العمال المحليين وليحارب الإرهاب، قاصداً التعاون مع مخابرات العالم لإسقاط النظام، ولكنه لا ينطق بكلمة عن توزيع المال الذي وصل إليه. كما لا نعرف إن كان قد أبلغ "شبابه على الأرض" أنهم يجمعون المعلومات لصالح أجهزة دولية. هل أفصح طلاس عن ذلك لرفاقه في تيار الوعد، والذي صدر نفسه بواجهة ديمقراطية تمثل عموم السوريين؟!

المساهمون