لا تزال ردود الفعل تتوالى على مقابلة الأمير هاري، حفيد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وزوجته ميغان ماركل. قصر باكينغهام يؤكد أن "قضية العنصرية تؤخذ على محمل الجدية". الأمير ويليام، شقيق الأمير هاري، يقول "لسنا عائلة عنصرية إطلاقاً". رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يلتزم الصمت. شعوب دول الكومنولث تبدي امتعاضاً. البريطانيون منقسمون حيال مزاعم الزوجين. ومَن الرابح الأكبر من هذه المعمعة؟ أوبرا وينفري.
أوبرا وينفري، وهي إحدى أكثر النساء نفوذاً في الولايات المتحدة الأميركية، أدارت الحوار مع الأمير هاري وزوجته ميغان، المقيمين منذ عام في كاليفورنيا. وتحدّثا حول انسحابهما من العائلة الملكية، والضغط الإعلامي الممارس عليهما، وعنصرية وسائل الإعلام البريطانية، وانتقدا عدم تفهّم العائلة وضعهما.
كما قدّما صورة قاتمة عن الحياة داخل الأسرة، خصوصاً عندما روت ميغان ماركل بتأثر أن العائلة رفضت تقديم مساعدة نفسية لها بعدما راودتها فكرة الانتحار. ومن أكثر التصريحات إثارة للجدل، كان حديثهما عن محادثة أعربت فيها جهة لم يسمياها في العائلة الملكية عن "قلق" إزاء لون بشرة ابنهما آرتشي البالغ حالياً 22 شهراً.
هذه المقابلة النارية شاهدها أكثر من 49.1 مليون شخص في أنحاء العالم، عبر التلفزيون أو الإنترنت، وفق ما ذكرت شبكة "سي بي إس" الأميركية التي لفتت إلى أن أعداد المشاهدين تتزايد، وأنها قد تعيد بثّ المقابلة في الولايات المتحدة يوم الجمعة المقبل.
ودُبّجت مقالات عدة في الإعلام الأميركي حول قدرات وينفري التي أعادت للتلفزيون بعضاً من مجده، في حقبة يعد فيها الأشخاص جداول تلفزيونية خاصة بهم، وأصبح الوصول إلى هذا النوع من الجماهير على الهواء مباشرة أمراً غير معتاد، ما لم يكن حدثاً رياضياً كبيراً.
جنت الإعلامية الأميركية بين 7 و9 ملايين دولار أميركي من بيع حقوق بث المقابلة لشبكة "سي بي إس"
والمجد ليس فقط ما حققت وينفري في المقابلة هذه التي عرضت مساء الأحد في الولايات المتحدة ومساء الإثنين في المملكة المتحدة، إذ جنت، عبر شركتها للإنتاج "هاربو برودكشنز"، بين 7 و9 ملايين دولار أميركي، مقابل بيع حقوق بث المقابلة لشبكة "سي بي إس"، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال". ولم يتقاض هاري وميغان أي أموال مقابل إطلالتهما التلفزيونية. واحتفت المؤسسات الإعلامية الأميركية بوينفري التي "أظهرت للعالم كله كيف تتم الأمور" (سي أن أن)، و"عززت مكانتها كأفضل محاورة للمشاهير" (فوكس).
ولم تلفت وينفري الأنظار بأسلوبها في الحوار فقط، إذ أبدى المشاهدون اهتماماً خاصاً بنظاراتها التي ارتدتها خلال المقابلة، ما أدى إلى سيل من الطلبات التي أغرقت العلامة التجارية المصنعة لها "غوتّي" بالطلبات.
وإن كانت وينفري تتمتع حالياً بتزايد شعبيتها، فلا يمكن القول إن الحال نفسه ينطبق على دوق ودوقة ساسكس؛ إذ كشف استطلاع للرأي، الجمعة، أن شعبية الأمير هاري وزوجته ميغان تراجعت في بريطانيا بشدة، وبلغت مستوى منخفضاً غير مسبوق بعد مقابلتهما المدوية. وبيّن الاستطلاع أن 48 في المائة من المشاركين فيه، وعددهم 1664، كان موقفهم سلبياً تجاه هاري، مقارنة بـ45 في المائة كان رأيهم إيجابياً. وكان رأي ثلاثة فقط من كل عشرة إيجابياً إزاء ميغان، في حين كان رأي 58 في المائة سلبياً.
شعبية الأمير هاري وزوجته ميغان تراجعت بشدة في بريطانيا بعد المقابلة التي وصفت بالنارية
ومثل استطلاعات سابقة أجريت منذ المقابلة، كان هناك انقسام على أساس العمر، إذ أيدت غالبية من ينتمون للمرحلة العمرية بين 18 و24 عاماً هاري وميغان، بينما كان موقف معظم من تزيد أعمارهم على 65 عاماً سلبياً نحوهما.
ولم يمر حديثهما عن الضغط الشديد لوسائل الإعلام البريطانية من دون نتائج في البلاد، إذ استقال مدير "جمعية المحررين البريطانيين"، إيان موراي، بعد إصدار بيان شعر كثيرون أنه يقلل من أهمية مشكلة العنصرية في وسائل الإعلام.
من تداعيات المقابلة استقالة مدير جمعية المحررين البريطانيين إيان موراي ومقدم البرنامج الصباحي على "آي تي في" بيرس مورغان
كانت جمعية المحررين البريطانيين أصدرت بياناً شديد اللهجة حول المقابلة، جاء فيه أن "وسائل الإعلام البريطانية ليست متعصبة، ولن تتأثر بدورها الحيوي في محاسبة الأغنياء والأقوياء، في أعقاب الهجوم على الصحافة من قبل دوق ودوقة ساسكس". لكن بعض الصحافيين رفضوا بيان موراي، ووقع أكثر من 160 مراسلاً ومحرراً على رسالة تقول إن جمعية المحررين "ترفض" العنصرية.
وفي السياق نفسه، استقال مقدم البرنامج الحواري البريطاني "صباح الخير بريطانيا" بيرس مورغان، بعدما قال إنه "لم يصدق كلمة واحدة" مما قالته الدوقة. وأثار ذلك انتقادات الكثيرين، وبينهم جمعية الصحة العقلية الخيرية "مايند".