في ركن من تلك الجدارية في منتدى الفنون البصرية في مدينة رام الله، وفي إطار معرض "على قماش" بنسخته الثانية، ثمة سبع لوحات يتضح فيها انعكاس ما يعايشه الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية من انتهاكات يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر تكبير جزء من قصص مصوّرة أعدت سلفاً لتكون محور أعمال الفنانين.
هذه اللوحات تأتي في إطار المعرض الذي قدّم منتجات طلبة المنتدى من أطفال دون العاشرة، حتى المسنين فوق السبعين عاماً، وكانت تحت إشراف الفنانة الفلسطينية ريم مصري التي شاركت في معارض جماعية أو فردية، في فلسطين وخارجها.
أشارت مصري، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن هذه اللوحات تأتي في إطار مساق "خامات وتجارب"، وهو المساق الذي تشرف عليه هي من بين مواضيع منتدى الفنون المعاصرة، التي من خلالها يتعرّف الطلّاب إلى تقنيّات متنوعة في إطار الكولاج، كالخشب والباستيل وغيرها، بعيداً عن الطرق التقليدية والمدارس الكلاسيكية في الرسم، لجهة تجريد الأشياء من طبيعتها.
ريم مصري، التي تدرّس الفن في جامعة بيرزيت أيضاً، شددت على أن هذه الطريقة للعمل، وإن تتكئ على مواد بعينها، لكنها لا تحاصر الفنّان بفكرة محددة، بقدر ما تترك له حرية التعبير، وتشكل أداة لتفريع ما في دواخل الفنانين، من هواة ومحترفين، ومحاولة لإيجاد جسر أو نوع للمحاكاة ما بين المواد المستخدمة، عبر تقنية التكبير لمحتويات المواد البصرية الأساسية، أو مقاطع منها، والخروج منها بلوحات، وهو ما اتضح في لوحات اليافعين والشباب الذين تراوحت أعمارهم ما بين 14 و23 عاماً.
وتصادف أن إنجاز هذه اللوحات جاء في إطار عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتعزيز الانتهاكات والإجراءات التعسفية اليومية في الضفة.
ولم تعترض الفنانة الفلسطينية على وصف لوحات مساق "خامات وتجارب" بمثابة معرض خاص ومنفصل في إطار المعرض الجماعي الأكبر "على قماش"، لافتةً إلى أن في هذه اللوحات ما هو مختلف على مستوى الأسلوب والتقنيات، علاوة على أنه، وربما بشكل تلقائي لا شعوري، تأثرت مضامين هذه اللوحات بما يحدث في فلسطين الآن، وانعكاسات ذلك على الحالات النفسية الصعبة التي نعيشها، فبدت وكأن الرسامين يفرّغون ما في دواخلهم، ليس بالكلمات التي ربما لن تسعفهم بسبب أعمارهم الصغيرة.
والمتأمل للوحات يمكنه الاستنتاج بأنها تعكس حالة من التعبير عن الحالة الجماعية، كما أنّها شكلت نوعاً من التفريغ لصانعيها، ما جعل من الحدث المتواصل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ورغم أنه استمرارية لنكبات الشعب الفلسطيني منذ ما قبل نكبة 1948، يصنع ما ليس متوقعاً من طلاب وهواة، لربّما لم يكن متوقعاً منهم أن يقدموا أعمالاً بمستوى فني لافت.
وقالت مصري إن "ثمة شيئاً تغيّر في دواخلنا جميعاً هذه الأيام، حتى بالنسبة لي، فطبيعة ما أقدمه في إطار الفنون البصرية تغيّر، وفي الرسم تغيّرت الألوان التي أستخدمها أيضاً، لذا كان التفريغ أمراً مهماً في حالتنا هذه، ليخرج أصحاب اللوحات السبع ما لديهم من طاقات، وما في دواخلهم من مشاعر ربما متناقضة، ما بين غضب وخوف وحب، فكانت النتائج حتى بالنسبة لهم غير متوقعة"، مشددة على أهمية المراهنة على جيل اليافعين والشباب لتقديم المزيد من المبدعين، ليس فقط على المستوى العربي، بل العالمي.
ورأت أن هذه الأعمال مليئة بالإحساس بالواقع الذي نعيشه، وتشتمل على نوع من التجريد والتقنيات غير المعتادة بالنسبة لدى من أنجزها، آملةً أن تنتشر في معارض جماعية على مستوى فلسطين، وإن كانت الظروف الآن تبدو غير مواتية، ولكن "ربّما في ما بعد".
جدير بالذكر أن اللوحات هذه من إنجاز كل من بسّام حنا رباح، وجيسيكا دار يوسف، وسارة حمودة، وياسمين مهوي، وحمزة شيوخي، وصبا ياسر حسين، وأحمد المدهون.
وافتتح منتدى الفنون البصرية معرضه "على قماش"، أخيراً، مقدماً عشرات اللوحات والأعمال والمشاريع الفنية، لطلاب في ستة مساقات أكاديمية في مدرسة الفنون البصرية التي أسسها المنتدى منذ عشرين عاماً.
بدورها، لفتت مديرة المنتدى، ديمة إرشيد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن الأعمال الفنية المشاركة في المعرض تشمل لوحات منتجة بوسائط متعددة، كالرصاص والحبر والفحم وألوان الأكريلك والزيت والألوان المائية وغيرها، فيما تنوعت مضامينها ما بين الطبيعة الصامتة والحضرية والطبيعية، والبورتريه، والموديل، إضافة إلى أعمال تجريدية، بحيث تعكس ما تعلمه قرابة سبعين طالبة وطالباً من تقنيات ومهارات ومفاهيم خلال الأربعة شهور الماضية ضمن مساقات مدرسة الفنون البصرية التي تتبع المنتدى؛ إذ خاض الطلبة تجارب متنوعة في عوالم الفنون البصرية، كان من شأنها أن تثري ثقافتهم ومعلوماتهم، وتنعكس على تكوين شخصيّاتهم، ومفاهيمهم، بل وتعكس السياق الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه في فلسطين.