معرض "الآلات الجينية": العلم منحازاً إلى العنصرية

28 سبتمبر 2023
من المعرض (متحف ويلكم كوليكشن)
+ الخط -

في بداية القرن العشرين أسس العالم البريطاني فرانسيس غالتون ما يسمى بعلم تحسين النسل. كان غالتون عالماً واسع الاطلاع ومتعدد المعارف وله إسهامات مهمة في مجالات متعددة، كعلم النفس والإحصاء والأنثروبولوجيا والوراثة، وحتى الأرصاد الجوية.
على الرغم من هذه الإسهامات المهمة في أكثر من مجال، ظلت الأفكار التي تضمنتها أطروحات غالتون العلمية حول تحسين النسل علامة سوداء في تاريخه. ساهمت أفكار العالم البريطاني على نحو مباشر أو غير مباشر في تأكيد الاختلافات الإنسانية بناءً على العرق، وكان لانتشارها الواسع دور في تأكيد النزعات العنصرية والتفوق العرقي، حتى أن النازية قد اعتمدت في جانب كبير من تصوراتها على أفكاره.
هذه الأفكار التي تنطوي عليها أطروحات فرانسيس غالتون يفندها الجزء الأول من فيلم God Mood للفنانين لاري أشيامبونغ وديفيد بلاندي. الفيلم الذي لا تتجاوز مدته 12 دقيقة يعرض مع ثلاثة أفلام قصيرة أخرى ضمن معرض الآلات الجينية الذي يستضيفه متحف ويلكم كوليكشن للعلوم الطبية في لندن حتى 11 فبراير/شباط من العام المقبل.
يسلط المعرض الضوء على التاريخ المُشين للتحيزات الطبية على أساس العرق عبر سلسلة من الأفلام والمعروضات المتعلقة بعلم تحسين النسل. يستكشف الثنائي البريطاني أشيامبونغ وبلاندي في هذه الأعمال إرث العنصرية العلمية وكيف لا تزال أفكارها تظهر على السطح في الثقافة المعاصرة. تتتبع الأعمال مصدر الأفكار حول العرق والدور الذي لعبه العلم في تشكيل هذه التصورات. 
يأتي القسم الأول من فيلم "غود مود" مصحوباً بصوت ديفيد بلاندي وهو فنان من أصل إنكليزي وينتمي إلى الطبقة المتوسطة. يتحدث بلاندي عن اختبارات الذكاء والتمييز العنصري والجنسي والاستخدام المنهجي للتعقيم في جميع أنحاء العالم تحت ستار العلم. تستعرض المشاهد المصاحبة للتعليق بعض مقتنيات العلوم في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، التي تضم عدداً من الأدوات التي استخدمها فرانسيس غالتون لقياس وتصنيف الأشخاص. بعض هذه الأدوات يتم عرضها بجانب الفيلم، وتشمل أدوات لقياس حجم الجمجمة وسعة الفك ولون العينين وغيرها. أما النصف الثاني من الفيلم فيأتي مصحوباً بصوت لاري أشيامبونغ، وهو فنان من أصل غانيّ ينتمي إلى الطبقة العاملة. يتساءل الفنان في هذا الجزء عن حدود التعاطف في النضال ضد الظلم، إذ يرى أن المطلوب ليس مجرد تضامن بل تغيير حقيقي، ومقاومة هذه الأفكار الخاطئة. يتضمن الفيلم مشاهد مصممة على هيئة لعبة فيديو، وفيها يتتبع المُشاهد عنكبوتاً كبيراً أثناء سفره حول العالم. تعتمد اللعبة على أسطورة "أنانسي" الأفريقية، وهو نصف إله يغير شكله لتحقيق أهدافه. وتعد ألعاب الفيديو جانباً محورياً من الممارسة الفنية للثنائي بلاندي وأشيامبونغ، ويشير اسم الفيلم إلى أحد المصطلحات الشائعة بين مستخدمي هذه الألعاب وتعني اللاعب الذي لا يقهر. 
أما الفيلم الثاني فهو بعنوان "خيال رهيب" ويتناول التاريخ المعقد للتصنيف العرقي. يسلط الفيلم الضوء على شخصية جون إدمونستون، وهو عالم تشريح من أصل أفريقي كان يعيش في بريطانيا. قام إدمونستون بتدريس التشريح لتشارلز داروين، غير أن مساهمته في علم التشريح لا تزال غير معترف بها إلى حد كبير.
الفيلم الثالث هو "رثاء السلطة" ويوضح أن العلم لا يستخدم فقط لفهم العالم وكشف الحقائق، بل يمكن استخدامه أيضاً للاستغلال التجاري والسياسي. يستعرض الفيلم قصة هنرييتا لاكس وهي امرأة أميركية تم أخذ خلاياها من دون علمها. استخدمت الخلايا المأخوذة من لاكس لتحقيق العديد من الاكتشافات المهمة، مثل رسم خرائط الجينوم البشري وبحوث السرطان والأيدز وشلل الأطفال وغيرها من الأمراض. يشير الفيلم كذلك إلى إحدى ألعاب الفيديو الرائجة التي تصور الأفارقة على أنهم زومبيز مصممون للقتل. يتساءل العمل عن هؤلاء الأشخاص الذين تم توظيف أصواتهم في هذه اللعبة، ومدى علمهم بالمحتوى العنصري الذي تتضمنه.

العمل الأخير هو عمل تركيبي يتضمن شريط فيديو وصوراً فوتوغرافية وتجهيزات ويعرض تحت عنوان "من الغبار إلى البيانات". يسلط العمل الضوء على التاريخ الاستعماري لعلم الآثار، وأوجه التشابه المعاصرة في التنقيب عن بيانات الحمض النووي. يستشهد الفيلم بما كتبه فليندرز بيتري عالم المصريات البريطاني وأحد مؤسسي علم الآثار الحديث. اعتقد بيتري أن هناك علاقة مُباشرة بين حجم الجمجمة والعرق ودرجة الذكاء، وقد ساهمت هذه الأفكار إلى حد كبير في تأكيد الميول العنصرية الدافعة للاستعمار وتبريره.
معرض الآلات الجينية يمثل رحلة متعددة الحواس تجمع بين الصوت والصورة لاستكشاف العوامل التاريخية والمجتمعية التي ساهمت في ظهور الأفكار الخاطئة المتعلقة بالعرق. يلفت المعرض انتباهنا إلى التحيزات والأحكام المسبقة والصور النمطية التي لا تزال قائمة في وعينا الجماعي، وتفرض نفسها أحياناً على أحكامنا تجاه الآخرين. يشير المعرض في جانب منه أيضاً إلى التقاطع بين العالمين: الرقمي والمادي، ويثير تساؤلات حول تأثير هذه الازدواجية الرقمية على فهمنا للعرق والهوية.
متحف ويلكم كوليكشن هو جزء من مؤسسة ويلكوم الخيرية التي أسسها السير هنري ويلكوم عام 1936. تعمل المؤسسة في تمويل الأبحاث الطبية حول العالم، ويعد متحف ويلكوم كوليكشن الذي تأسس عام 2007 جزءاً من مهمة المؤسسة المتمثلة في إشراك الجمهور في عالم العلوم الطبية. تجمع معروضات المتحف بين الفن والعلوم والتاريخ والأنثروبولوجيا لاستكشاف موضوعات تتعلق بالصحة الجسدية والنفسية.

المساهمون