استمع إلى الملخص
- المقارنة بين مصطفى وحسين فهمي تبرز اختلافات في مسيرتهما الفنية، حيث تميز مصطفى بتقديم شخصيات معقدة، بينما اعتمد حسين على وسامته، وأظهر مصطفى براعة في الأدوار الثانوية.
- فيلم "السرب" (2024) هو آخر أعمال مصطفى، ويعتمد على قصة حقيقية عن عمليات عسكرية مصرية، مما يثير تساؤلات حول جودة الإنتاج السينمائي في ظل التوجهات السياسية.
رحيل الممثل المصري مصطفى فهمي في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024 دافعٌ إلى بحثٍ، ولو مقتضب، في مسألتين: فرغم أنّ له في السينما أفلاماً عدّة يميل البعض إلى اعتباره نجماً تلفزيونياً أقوى حضوراً وأعمق اشتغالاً. وسامته، المتساوية مع وسامة شقيقه حسين فهمي، مُوظّفة في فعل تمثيليّ، بدلاً من بقائها مجرّد شكلٍ، يُساهم في ترويج عمل، سينمائي أو تلفزيوني، لكسب جمهور أكبر. فوسامة مصطفى فهمي (7 أغسطس/آب 1942) مُساهِمة في تفعيل أداء، يمتلك الراحل أدوات أخرى له، تجعله أقدر على جذب عينٍ وقلبٍ وعقل. بينما وسامة حسين فهمي (22 مارس/آذار 1940) أطغى عليه من براعة تمثيلٍ، مع أنّ للشقيق الأكبر أفلاماً تُعتبر لحظات فارقة في تاريخ السينما المصرية.
رحيل مصطفى فهمي يحرّض على مقارنة بين الممثلين الشقيقين، فالغياب أعجز من أنْ يحول دون مقارنة، تنشأ عفوياً وطبيعياً منذ سنين مديدة، خاصة مع عرض فيلمٍ جديد أو بثّ مسلسل جديد لأحدهما، أو لهما معاً في وقت متزامن. استعادة أفلامٍ لمصطفى فهمي، بُعيد رحيله تُذكِّر بأنّ سيرته السينمائية مليئة باشتغالاتٍ، لكنّ جمالياتها الفاعلة في المشهد العام أقلّ تأثيراً من بعض تلك الماثلة في أفلامٍ لحسين فهمي. مقابل هذا، يبدو مصطفى، في غالبية أعماله التلفزيونية والسينمائية أبرع في جعل الشخصية أكثر واقعية ومصداقية، وفي منح الأداء حيوية وعفوية تحولان دون تبسيطٍ وخفّة. أي أنّ حسين فهمي، بوسامته، غير متمكّن من إخراج الشخصية من نصّها المكتوب إلى حقيقتها الفنية إلا نادراً، وبإدارة مخرجين يصنعون جمالاً في أفلامهم. وهذا يفعله مصطفى فهمي في غالبية أعماله، وإنْ يكن مخرجوها ومخرجاتها محترفي مهنة فقط.
لكنّ إطالة المقارنة بينهما غير نافعة، إذْ يبقى لكلّ منهما حيّز فني مختلف عن حيّز الآخر. انصراف الراحل إلى أعمالٍ بصرية للشاشتين يمنحه مساحة قابلة لغربلة وتفكيك، فإذْ بالسينما تختبر وسامته وحِرفية اشتغاله وبراعته، فتأخذ منه الأفضل فيها كلّها، أو بعض الأفضل على الأقلّ، ويُعطيها ما يمتلكه من شغف المهنة وحماسته لها، وهذان (الشغف والحماسة) يظهران في أداء أدوار، فيها تنويع يبلغ أحياناً تناقضاً في أحوال الشخصية، النفسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والانفعالية والحياتية. ثمّ إنّ مشاركته في أفلامٍ، أدوارها الأولى تُمنَح لممثلين آخرين غالباً، غير حائلة دون تنبّه إلى ما يمتلكه من أدوات قول أدائي، لن تتفوّق على بعض أولئك في الأدوار الأولى، لما يمتلكه هؤلاء من حِرفيّة ترتكز على وعي معرفي بأولوية التجديد والاختبار.
لكنْ، هناك أفلامٌ تكشف أنّ لمصطفى فهمي قدرة على التفوّق على مؤدّي أدوار أولى، ما يُلفت انتباه مُشاهدين ومُشاهِدات إلى طغيان حضوره. مثلٌ يخطر في البال: "موعد مع القدر" (1986) لمحمد راضي. ففي مقابل محمود ياسين، الذي يُعتَبر أحد أبرز الممثلين في جيلِ ينتمي إليه حسين فهمي ومحمود عبد العزيز ونور الشريف مثلاً، يبرز مصطفى في شخصية عاشق من طرفٍ واحد، متجاوزاً بها ما يُقدّمه ياسين من رصانة طبيب يُصاب لاحقاً بمرضٍ سرطانيّ. هذا واضحٌ أيضاً في "أيام في الحلال" (1985)، لحسين كمال، مع ياسين نفسه. أمّا "لصوص خمس نجوم" (1994) لأشرف فهمي، فيكشف نوعاً من تحدٍّ أدائي، أقرب إلى المبارزة المخفَّفة والمُوارِبة والمُحبَّبة، بينه وبين صلاح ذو الفقار.
في "السرب" (2024)، لأحمد نادر جلال، يعمل مصطفى فهمي مع ممثلين من أجيال لاحقة، كأحمد السقا وشريف منير وعمرو عبد الجليل ومحمد ممدوح. لبعض هؤلاء أدوارٌ ساحرة بأدائهم، تكاد تكون أقلّ عدداً من غيرها. اختبار العمل مع أكثر من جيل لاحق عادة سينمائية في صناعاتٍ كثيرة. لكنْ، ما يجمع هؤلاء في هذا الفيلم اعتماد قصّة حقيقية، تُروى في نسختين: ذبح 21 مصرياً في ليبيا، وتصدّي الجيش، في عمليات عسكرية، لجماعات إرهابية (رواية أولى). غارات مصرية على داعش في ليبيا (15 فبراير/شباط 2015)، بعد إعدام التنظيم 21 قبطياً مصرياً، تحت عنوان "رسالة موقّعة بالدماء إلى أمّة الصليب" (رواية ثانية). هاتان الروايتان كافيتان للقول إنّ "السرب" فيلمٌ دعائي لحساب جهات أمنية وعسكرية وسياسية مصرية. اشتغالات سابقة لمخرجه تشي بتواضع إنتاجاته السينمائية. لكنّ النقد غير مُستقيمٍ من دون المشاهدة (عروضه المصرية منطلقة في الأول من مايو/أيار 2024).
السابق نظرة على آخر نتاج للراحل، وبعض النتاجات الفنية يُقرأ من عنوانه، كما من أسماء مخرجيه ومخرجاته.