مصارعة الديوك تبيض ذهباً في الفيليبين

24 أكتوبر 2022
تحظى هذه اللعبة بشعبية كبيرة رغم معارضة جمعيات حقوق الحيوان (جيفري مايتم/ Getty)
+ الخط -

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه دينيس دي لا كروز، وهو يشاهد ديوكه توجّه ضرباتها إلى خصومها، وسط مشهد الريش المتطاير والدم والجو الحماسي الصاخب داخل قاعة مخصّصة لمنازلات هذه الدواجن في الفيليبين.

عاودت حلبات مصارعة الديكة في الفيليبين نشاطها بشكلٍ كامل، بعد توقّف قسري لعامين بسبب جائحة كوفيد-19، وانطلقت المنازلات في كلّ أنحاء الأرخبيل.

وتحظى هذه المنازلات التقليدية المعروفة بـ"سابونغ"، والمحظورة في عددٍ من البلدان، بشعبية كبيرة في الفيليبين، وتدرّ الرهانات فيها ملايين الدولارات كلّ أسبوع.

وتتقاتل الديوك المزوّدة بمخالب معدنية اصطناعية على أرجلها حتّى الموت، وسط هتافات المتفرجين ومعظمهم من الرجال.

وقال دي لا كروز (64 عاماً) لوكالة "فرانس برس" خلال بطولة أقيمت أخيراً في سان بيدرو إلى الجنوب من العاصمة مانيلا: "في قريتنا، أكثر من نصف الناس يشركون ديوكهم في المنازلات".

ولم يكن دي لا كروز، وهو نجل مدير قاعة لمصارعة الديكة، يعمل يوماً في وظيفة ثابتة، بل كان يعتاش من الأرباح التي توفرها ديوك ربّاها ابن أخيه.

وقال عالم الأنثروبولوجيا تشيستر كابالزا من جامعة الفيليبين إنّ مصارعة الديوك هي إحدى "المساحات المحايدة" النادرة، التي يختلط فيها الأغنياء والفقراء، ويلعبون وفق القواعد نفسها في مجتمع يتّسم بقدرٍ كبير من التفاوت الاجتماعي.

وبإشارات من أيديهم، كتلك التي يستخدمها سماسرة الأسهم في البورصة، يبادر المتفرّجون الذين يلتزمون ميثاق شرف صارماً، إلى وضع رهاناتهم خلال مباراة قد لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة.

وشرح أحد المشجعين لوكالة "فرانس برس" أنّ معركة واحدة تدرّ غالباً ما بين 300 ألف و400 ألف بيزو (ما بين 5000 إلى 6700 دولار أميركي) من الرهانات.

يحصل المراهن الفائز على المال بعد نهاية المباريات، التي يصل عددها إلى 15 مباراة في كلّ ساعة.

ويُتوقع أن تصبح قاعات مباريات الديوك من الآن فصاعداً مجهّزة بآلات للمراهنة، بحيث يمكن للفائزين قبض أموالهم من دون الاختلاط كثيراً بالجمهور.

وقال إدوين لومبريس الذي يعمل في مجال تربية طيور الصيد: "إذا فاز ديك ما، يخرج صاحبه من الحلبة وقد تكوّنت صورة أنّه رجل قوي. أمّا إذا خسر، فيطأطئ رأسه ويخرج بخطىً متثاقلة".

يدافع الشغوفون بهذا التقليد عن استمراره، واصفين إيّاه بأنّه جزءٌ لا يتجزأ من الثقافة الوطنية".

في المقابل، تناضل كاترينا ديل إسبيريتو سانتو، من جمعية "المعاملة الأخلاقية للحيوانات"، من أجل حظر هذه اللعبة التي تصفها بالوحشية، إذ "تُجبر الطيور على القتال حتّى الموت".

لكنّ جهود الناشطين في الفيليبين لا تفضي إلى نتائج مهمة، إذ لا تزال ديكة المصارعة تحظى بشعبية كبيرة في الأرخبيل، ويمكن أن يبلغ سعرها ما بين 3000 و15000 بيزو (ما بين 50 و250 دولارا أميركيا)، اعتماداً على السلالة التي تتحدّر منها.

وتوضع الديكة المقاتلة في أقفاص خارج المنازل في المناطق الحضرية أو في حظائر على شكل مثلثات في المزارع.

وعندما أغلقت صالات المصارعة في بداية الجائحة، اضطرّ كثرٌ من المربين الصغار الذين لم يعودوا قادرين على إطعام حيواناتهم إلى بيعها بأسعار منخفضة، أو إلى أكلها. واعترف آخرون بأنّهم خالفوا التدابير التي كانت معتمدة وأقاموا مباريات لتغطية نفقاتهم.

وأصدر الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي تصاريح لتنظيم المعارك عبر الإنترنت، بهدف إحياء هذا التقليد وتوفير الإيرادات لخزينة الدولة التي أفرغتها الجائحة.

وكانت معارك "إي سابونغ" تقام على حلبات قاعات من دون جمهور، وتُنقل المباريات أو تُعرض على مدار الساعة، فيما يراهن المتفرجون بواسطة هواتفهم المحمولة.

وزادت شعبية هذه اللعبة بشكل كبير، وكذلك الأرباح. وبلغت إيرادات الحكومة من رسوم الدخول شهرياً نحو 640 مليون بيزو (قرابة 10 ملايين دولار)، وفقًا لرئيسها في ذلك الوقت.

وقال تشارلي آنغ، الذي يدير "لاكي ستار 8 كويست"، للجنة تحقيق شكّلها مجلس الشيوخ إنّ الفيليبينيين يراهنون يومياً بمبلغ إجمالي يتراوح بين مليار وملياري بيزو (ما بين 17 و34 مليون دولار) عبر منصته، أي نحو 95% من مجمل الرهانات، وفق ما شرح.

لكن فُقد هذا العام 34 موظفاً يعملون في هذا القطاع، كما أفادت وسائل الإعلام المحلية عن تسجيل حالات انتحار لمراهنين أثقلت الديون كاهلهم. وانتهى الأمر بدوتيرتي، تحت الضغط، إلى إيقاف مباريات المصارعة عبر الإنترنت، قبل وقت قصير من انتهاء ولايته في يونيو/ حزيران الماضي.

وبعد تخفيف تدابير الجائحة، سمحت الحكومات المحلية تدريجياً لقاعات المصارعة التقليدية بمعاودة نشاطها، وهو ما يثير الارتياح لدى ملايين الفيليبينيين.

ولاحظ دوندون كلانور، البالغ من العمر 45 عاماً والشغوف بهذا التقليد، أنّ "الناس كانوا مستائين لأن هوايتهم المفضلة سلبت منهم. الآن بات الجميع سعداء".

(فرانس برس)

المساهمون