مشيرة إسماعيل... كيف سرقوا الفرح؟

20 مارس 2022
برّأها القضاء من قضية الرقيق الأبيض (يوتيوب)
+ الخط -

هناك دوماً من يسرق فرح الآخرين، مدمِّراً سعادتهم، مجبراً أرواحهم النقية على الابتعاد عن الساحة الفنية. هذه تحديداً حال فنانتنا الشاملة المحبوبة مشيرة إسماعيل (1950).

الفنانة الموهوبة، بنت الفرقة القومية للفنون الشعبية، تلقت تدريباتها على أيدي أمهر المدربين الروس، لتنافس فرقة رضا للفنون الشعبية، خلال العصر الذهبي للثقافة في ستينيات القرن الماضي. وقتها، كان وزيراً للثقافة، المثقف الكبير والمترجم المعروف ثروت عكاشة الذي شهد عهده إنجازات ثقافية كبرى تُعَدّ بمثابة وثبات في تاريخ الثقافة المصرية، منها على سبيل المثال الحدث الأعظم، أي نقل وإنقاذ معبد فيلة.
كانت إسماعيل ابنة هذه المرحلة الثرية بالفنون والثقافة، ومعها زميلتها الفنانة الشاملة الجميلة عايدة رياض، وقد عاشتا متذوقتين حلاوة النجاح، وبريق الفن وأضوائه.
انطلقت إسماعيل من السينما إلى المسرح إلى التلفزيون تتنسم رحيق الفن في كل أرجائه؛ فقدمها المخرج الراحل الكبير حسين كمال في رائعته الخالدة "البوسطجي" (1968)، كذلك عملت مع الراحلين الكبيرين حسام الدين مصطفى ويحيى العلمي وآخرين.
لكن مع التحولات السياسية والاجتماعية الجديدة، وبروز توجه أيديولوجي مختلف عن ذي قبل، فوجئ الجميع  في النصف الأول من السبعينيات بقضية الرقيق الأبيض (اتهمت وقتها الفنانة ميمي شكيب بإدارة شبكة لبيع الجنس تعمل فيها فنانات كثيرات)، وهي أول قضية تدان فيها فنانات مصريات، من خيرة من أنجبتهن مصر فناً وموهبة. وكما نعرف جميعاً، كانت البراءة من نصيبهن.
ولكن بعدما اهتزّ الرأي العام لهذه القضية التي كانت بمثابة عهد جديد لاستخدام الملف الفني لإلهاء الرأي العام من ناحية، وتغيير صورة الفن والفنانين في ذهن المجتمع من ناحية أخرى، كرت سبحة الفضائح المختلقة، ليُصنَع بذلك مجتمع غارق في الغيبيات، يحتقر ثقافة الحياة، وعلى رأسها الفن والفنانون.
وكانت فراشتنا الجميلة الموهوبة مشيرة إسماعيل وغيرها، من ضحايا هذا المخطط الشرير. لكن رغم هذا الواقع، قاومت بشجاعة وإباء، واستطاعت أن تخرج من هذه الأزمة المختلَقة أقوى مما كانت، وانطلقت مرة أخرى محلقة في سماوات الفن.
لكن مع تدهور الحياة الفنية عموماً، وانهيار المعايير الحقيقية في تقييم الفنان والمبدع، وانتشار ثقافة القبح، وغلبة ثقافة الموت على ثقافة الحياة، قررت مشيرة إسماعيل بشجاعة الانسحاب بكبرياء المبدع وتعففه.
هكذا، فقدنا طاقة فنية كبيرة، كما نفقد في كل لحظة، الكثير من المبدعين الحقيقيين، الذين اغتُصبت وسُرقت منهم فرحتهم.
وظل سارقو الفرح يرتعون ويمرحون ويلوثون الأجواء الفنية بفاسد القول والفعل وقبيحهما. حقاً أنهم يقتلون الجياد... أليس كذلك؟

المساهمون