يورّطنا مسلسل Justified، الذي انطلق موسمه الأول في عام 2010، واختُتم بموسم سادس في عام 2015، في صراع درامي، يتمحور حول عدة عائلات إجرامية، تتخذ من مدينة هارلان في ولاية كنتاكي مسرحاً لعبثها.
تنطلق أحداث العمل في ميامي، فلوريدا، مع بطل المسلسل الممثل تيموثي أوليفانت، بدور ريلان غيفينز، وهو نائب مفوّض (Deputy Marshal)؛ أي رجل قانون. هناك، يقتل غيفينز رجلَ عصابات، ما يستدعي نقله إلى مسقط رأسه، هارلان، ليجد نفسه محاصراً بماضيه؛ والده، آرلو (رايموند جيه. باري)، متورّط دائماً في كل ما هو غير قانوني، خصوصاً مع عصابات المخدّرات. "صديقه" القديم، بويد (والتون غوغينز)، يرأس عصابة اتجار بالمخدرات، وسطو على البنوك، وعمل في الدعارة. كما أنّها عصابة آرية عنصرية، تهاجم معاقل السود، من كنائس وبيوت.
وبهذا، على ريلان غيفينز، كرجل قانون، أن يضع حدّاً لكل ما يدور في مدينته من نشاطات إجرامية يمارسها مقرّبون منه. أناس تربطه بهم قرابة، أو صداقة قديمة. مجرمون قد تتقاطع مصالحه معهم في كثير من الأحيان؛ إذ يستفيد ممّا يملكونه من معلومات ومعارف، كي يُلقي القبض على مجرمين آخرين، خصوصاً تلك المافيا التي يترأسها رجل في ديترويت، شيكاغو، ويسعى في إثر غيفينز انتقاماً للرجل الذي قُتل في ميامي.
في Justified، الذي بدأت منصة OSN+ بعرضه أخيراً، نتعرّف إلى البُنية الإجرامية، والبوليسية، في المجتمع الأميركي. يستطيع القانون، بسهولة، أن ينال من العصابات الريفية الصغيرة، كما لو أنّه مُصمّم من أجلها. لكنه يجد نفسه عاجزاً في مواجهة المافيات الكُبرى، مافيات المُدُن البعيدة عن تلك الأرياف وسكّانها البسطاء.
نلاحظ أن كثيراً من هذه المافيات الكُبرى فوق القانون نفسه، الذي يستقوي على عصابات عائلية لا تريد أكثر من المال كي تنعم بحياة معقولة، خلافاً لأولئك الفاسدين والمجرمين الأثرياء، الذين يجدون رجال قانون وأمن فاسدين، يشترونهم بالمال والسلطة. وإن قرّر رجل قانون، كما في حالة ريلان غيفينز، أن يُعاملهم كمجرمين، وينوي القضاء عليهم، فسيجد نفسه مُلاحقاً، ولن يمانعوا قتله للتخلّص منه، خصوصاً أن لهم أعواناً في مختلف الأجهزة الأمنية، مثل الـ FBI، والمارشالية، يستطيعون أن يتستّروا على جرائمهم، مقابل المال؛ أي الرشى.
إلى جانب غيفينز، نرى أن بويد، أيضاً، يريد التخلّص من هؤلاء المجرمين الذين يعتبرون أنفسهم أعلى مرتبةً. وكما قال بويد لبعضهم مرّة: "أنتم مجرّد مجرمين. أمّا أنا؛ فخارجٌ عن القانون".
لعلّ هذه العبارة تمثّل مقاربة مهمّة في فهم عوالم Justified؛ إذ لدينا مجرمون محصّنون بمناصبهم وعلاقاتهم مع ذوي النفوذ، ويستطيع القانون أن يجد لنفسه طريقةً كي يحميهم. لكن أمثال بويد، رجل ريفي، أو Redneck كما يُطلق عليهم، ما من أحد ليحميهم. وكل القوانين وُضعت للقضاء على أمثاله. بهذا، نجد أن العلاقة معقدة بين كل من المارشال غيفينز، وبويد. فالأوّل يطارد الثاني، لكن في كثير من الأحيان قد يتحالفان بهدف القضاء على رجال المافيات الكُبرى التي تريد النيل من كليهما.
يلفتنا في المسلسل، أيضاً، الطريقة التي ينال بها ريلان غيفينز من خصومه، ولعلّها إشارة ذكية من صُنّاع العمل. يتميّز غيفينز بأنه لا يزال يرتدي تلك القبّعة التي يعتمرها رعاة البقر (Cowboys)، وينتعل الجزمة نفسها. مظهره هذا يجعله مثاراً للسخرية من قبل كثيرين من خصومه. لكنّه إشارة إلى بدائية العقلية الأمنية والإجرامية، في آن. لا يزال غيفينز يواجه هؤلاء الخصوم بطريقة الـ Western التقليدية؛ يقفان على مسافة بضعة أمتار من بعضهما بعضاً. الأسرع في سحب مسدّسه وإطلاق النار على الآخر، سينتصر.
في هذه الطريقة، إشارة مهمّة إلى بدائية تلك المجتمعات؛ إذ تظهر وكأنها ما زالت تحيا في القرن التاسع عشر، وتتصرّف وفق منطق ذلك الزمن، أخلاقياً واجتماعياً... وإجرامياً كذلك.
وفي كل مرة، ينتصر "الخير". وهذه واحدة من أبرز إشكالات مسلسل Justified. يبدو ريلان غيفينز كما لو أنّه رجل خارق. وصل إلى مدينة هارلان كي ينقذها من المجرمين الذين يُفسدونها بالمخدرات والمشاريع القذرة التي تنال من أراضي أهل المدينة، بهدف زراعة الماريوانا وإنتاج الهيرويين. يذكّرنا ذلك بـ باتمان الذي يريد أن ينقذ مدينة غوثام من الأشرار؛ القتلة وتجار المخدرات والشرطة الفاسدة.
يحاول مسلسل Justified أن يُرضي المشاهد. يترك لنا أبطالنا المفضلين أحياء، فيما يُقتل معظم المجرمين الذين لا نريدهم أحياء. ومن نعتبره في جانب الخير، لا يورّطنا كتّاب العمل بعلاقة عميقة مع الشخصية، لذلك حين يُقتلون، لا ينتابنا حزن عليهم.
يذكرنا العمل بمسلسل The Wire. تدور أحداث الأخير في بالتيمور. أحياء يقطنها السود (بدلاً من الريفيين في حالة Justified)، ويعملون بالمخدّرات، ويواجهون المتاعب مع الشرطة. ونرى أيضاً المجرمين ذوي النفوذ، وأولئك البسطاء الذين يعملون في الشارع. لكن، تناوُل The Wire لتلك القضايا أعمق بلا شك، كما أنّه لا يجامل المشاهد، بل يقوده إلى مزيد من اليأس في كل مرّة. ويقضي كتّابه على أبطال المشاهدين بسهولة. لا أبطال في بالتيمور، على العكس من مدينة هارلان في Justified، التي تُبقي أبطالها آمنين، وتُبقي المُشاهد سعيداً بكل تلك النهايات السعيدة.