مسلسل "النظام"... هجاء مرير لمستبدّي عصرنا

10 ابريل 2024
كيت وينسلت في العرض الأول للمسلسل في نيويورك، فبراير 2024 (تشارلي تريبالو/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "النظام"، مسلسل أمريكي يستعرض حكم مستشارة ديكتاتورية في أوروبا الشرقية، بأداء كيت وينسلت، يسخر من القادة الشموليين ويعكس الواقع السياسي الراهن بطريقة ساخرة.
- تتطور القصة مع اعتماد المستشارة على نصائح زوباك، جندي سابق بماضٍ عنيف، مما يؤدي إلى تغييرات سياسية كبيرة نحو الشعبوية والاستبداد، ويعكس الديناميكيات السياسية الحالية.
- المسلسل ينتقد الشعبوية والاستبداد بشخصيات معقدة، معكسًا الواقع السياسي المضطرب بطريقة مبالغ فيها أحيانًا، مما يجعله عملاً فنيًا مهمًا يستحق المشاهدة.

لا تندثر الهجائيات السياسية طالما بقيت السلطة وظلّ هناك طامحون وطامعون فيها. جديد هجائيات السلطوية وقادتها تأتي في مسلسل أميركي قصير بعنوان "النظام" The Regime، بدأ عرضه أخيراً، وتدور أحداثه في دولة وسط أوروبية تحكمها مستشارة ديكتاتورية مصابة بالبارانويا وتسخر في خطاباتها من القادة الشموليين!
ومثل غيره، فـ"النظام" هجاء سياسي كثيف نوعاً، يتعزّز بأداءٍ وحشي تقريباً لكيت وينسلت، ويملك صلة ضئيلة بالواقع. وفي حين أن الفكاهة والتوصيفات الواردة نموذجية كما يليق بمحاكاة ساخرة، فإن جولة سريعة على ساسة وقادة عالمنا اليوم لن تعطي إحساساً أكثر رزانة أو رصانة. ما كان يمكن أن يكون في الستينيات، زمن دكتور سترينغلوف وجنون الحرب الباردة، هذياناً وشطحاً فنياً، يبدو اليوم مشابهاً تماماً لما بات وضعاً طبيعياً جديداً. في وقت الحروب الطائشة والمجانية والوحشية، تبدو محاكاة ساخرة أخرى لجنون السلطة أمراً أكثر من طبيعي، وربما أقلّ مما يجب.
تجري الأحداث في بلد لا يُذكر اسمه، ولكنه موجود في مكان ما في أوروبا الشرقية، في ما كان يُطلق عليه ذات يوم "وراء الستار الحديدي". وفي حين أن البذخ الريفي الفخم واللغة الإنكليزية الأكاديمية للقادة السياسيين تعطي انطباعا آخر، فهذا بالضبط موقع الأحداث. بطلة القصة هي إيلينا فيرنهام (كيت وينسلت)، مستشارة البلاد، وهي امرأة تبدو ظاهرياً واثقة وعدوانية ولكنها في السرّ مليئة بالمخاوف والسلوك الغريب. متزوجة من فرنسي، وتستأجر هربرت زوباك (ماتياس شونارتس)، وهو جندي ذو ماضٍ عنيف و"مشهور" بقمع الاحتجاجات، لمساعدتها في أحد هواجسها المزمنة والوجودية: التحكم في رطوبة البيئة ونظافة الهواء من حولها.
ما يبدو علاقةً بسيطة بين رئيسة ومساعدٍ شخصي يصبح معقّداً عندما يبدأ الاثنان في الاتصال بطرق غير متوقعة: "يرى" كل منهما الآخر في أحلامه، ويواجهان مواقف غريبة داخل القصر الضخم، وما إلى ذلك. ينظر إليهما جميع الموظفين بغرابة - وزوج فيرنهام نفسه أكثرهم استغراباً - ولكن من الواضح أن هناك شيئاً ما يحدث بينهما. لا تتخذه المستشارة حارساً شخصياً وذراعاً يمنى فحسب، بل تبدأ في الاستماع إلى نصيحته حول كيفية حكم البلاد.


وهنا يأتي العنصر السياسي الآخر الأكثر مباشرة في الحبكة. فبفضل نصيحة هذا الرجل العنيف وغير المتعلّم، الذي لا يتسامح مع محاولات بعض قادة القوى العظمى الاستفادة من فيرنهام وبلدها الصغير الفلكلوري، فإنه "يدفعها" إلى اتخاذ موقف أكثر قومية، ورفض التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، مفضّلا الاختيار الصيني، ما يتسبّب في خروج كبير عن السيطرة خلف الكواليس، بين أوساط وعلى ألسنة تلك المجموعة من الوزراء والمتعاونين الذين يتبعونها في كل مكان، والساعين بدورهم إلى تغيير دفّة هذا التحوّل السياسي من أجل مصالح شخصية بحتة.
هذا المسار "الشعبوي" نحو التشبث والتغني بـ"ما لنا" "و"خيرات البلد" الذي يقترحه خطاب المستشارة، قد يمتلك حالياً أوجه تشابه مع العالم الحقيقي، ولكن في المسلسل يأخذه مبدعوه أيضاً على محمل الجد. باختصار: من جانب أو آخر، يبدو أن لا مخرج معقولاً للبلاد. وفي هذه العملية، تصير إيلينا أكثر قسوة واستبدادية، وأكثر غرابة، في حين أن زوباك لا يدير كل شيء من الخلف فحسب، بل يبدأ في تجاوز دور "المستشارة" الذي يبدو أنه قد حققه ليصبح معلّماً، وربما ما هو أكثر. كل هذا سيفضي إلى ردّ فعل مضاد قوي، وسيُخصّص النصف الثاني من المسلسل لهذا "الهجوم المضاد" الذي يمكن أن يكون محلياً أو شيوعياً أو صينياً أو ثورياً أو إمبريالياً أو أي شيء آخر. الشيء المهم هنا هو أن إيلينا تفقد السيطرة أكثر فأكثر. وبدوره يفعل زوباك، بطرقه الأكثر عنفاً.
بهذا المعنى، ليس "النظام" دقيقاً ولا منقّحاً في انتقاداته المباشرة ما تُسمّى "شعبوية" حكام البلدان التي تتعامل مع ضغوط خارجية وداخلية بجميع أنواعها. قد تكون المستشارة ماهرة في استخدام وسائل الاتصال - وهي تلبس، علاوة على ذلك، مثل نجمات هوليوود في الخمسينيات، وهو ما تفعله وينسلت أيضاً إلى حد ما - ولكن هناك قوى ومناورات خلف الكواليس ليس من السهل كبحها. يُصوَّر زوباك رجلاً وحشياً وأخرق وعنيفاً، وفي الوقت ذاته، للغرابة، يملك أحياناً أفكاراً جيدة. والأهم من ذلك أنه يحبّها بجنون ولا يفكر في شيء سوى مساعدتها. حسناً، نعم، تراوده أيضاً بعض الأفكار الجنسية...
إلى ذلك، لا يمكن وصف "النظام" بالعمل البارع المحكم، فهو فظّ بعض الشيء، وأحياناً مضحك، وفي أحيان أخرى يمكن توقّعه. بعبارة أخرى، يعمل المسلسل، من وقت إلى آخر، على فترات، غالباً عندما تصاب وينسلت ببعض الجنون الجامح (تحبّ المستشارة الغناء والرقص في المناسبات، وهو أمر تفعله بشكل سيئ للغاية)، وعندما يصبح من الواضح أنها بدأت تفقد ما تبقّى لها من عقل. فيما الممثل البلجيكي يشبه الغرانيت: قوة بدنية خالصة ووحشية. في المنتصف مجال لظهورات خاصة، مثل ظهور هيو غرانت ومارثا بليمبتون، اللذين لا يمضيان وقتاً ممتعاً مع هذا الشخص المتألّق والمتلاعب، خصوصاً بعدما يحظى، لفترة من الوقت على الأقل، بشعبية كبيرة بين شعبيهما.
كل هذا مبالغ فيه ومفرط ومبتذل تماماً في صقله المنحطّ، أكبر من اللازم، لتسهيل إدراك المفارقات والمساخر. ولكن حين يقارنه المرء بالواقع - مع إسرائيل مثلاً في أيامنا الحالية، من دون الذهاب إلى أبعد من ذلك - يلاحظ أن كل ما يبدو غريب الأطوار ومفرطاً ربما لا يكون سخيفاً وبعيداً عن الواقع كما يتصوّر. على الأقل، لم تستبح المستشارة شعباً محتلاً بأكمله، أو قتلت عمداً مدنيين عزّلاً يبحثون عن كيس دقيق، أو، أياً من تلك الأفعال الأخرى التي لا يقدم عليها إلا أشرار أقحاح مثل نتنياهو...

النظام (The Regime، المملكة المتحدة - الولايات المتحدة /2024). كتابة: ويل تريسي. إخراج ستيفن فريرز (الحلقات من 1 إلى 4) وجيسيكا هوبز (الحلقتين 5 و6). بطولة: كيت وينسلت، ماتياس شونارتس، أندريا ريسبورو، هيو غرانت، مارثا بليمبتون، غيوم جاليان وباتريك فوسكو. مدة العرض: 6 حلقات تتراوح مدة كل منها بين 48 و59 دقيقة.

المساهمون