بثّت شبكة نتفليكس أخيرًا المسلسل الألماني King Of Stonks، والذي يخبرنا بطريقة ذكية حكاية فيليكس أرماند، وهو مهندس المعلوماتيَّة الثلاثيني الذي شارك بتأسيس شركة CableCash للدفع الرقمي. أرماند على وشك أن يصبح رئيس الشركة التنفيذي المشارك إلى جانب ماغنوس كرايمر، رجل المبيعات المتهور والهذياني، والذي يورط الشركة وأرماند بسلسلة من الأكاذيب التي قد تؤدي بهم إلى السجن. مع ذلك، أرماند يقاتل حتى النهاية في سبيل الحفاظ على الشركة، تلك التي بدأت بشيفرة Code قام بكتابته، ولن يتنازل عنه أو عن الشركة لأي أحد.
الحلقات الست تحاكي مسلسل "وادي السيليكون" الذي بثته شبكة HBO، إلى جانب الكثير من الإحالات والاقتباسات الجماليّة والسينمائية من فيلم "ذئب وول ستريت" لمارتن سكورسيزي، ناهيك عن أن الشركة الوهمية نفسها كابل كاش- CableCash مزيج من PayPal ونظام العملات الرقميّة، والهدف منها استبدال النقود الورقية، أو بالأحرى إلغاء التعامل بالأموال المطبوعة والاستعاضة عنها بأخرى "افتراضية". هذا المزيج من المرجعيات يجعل كل ما في المسلسل مألوفاً، لكنه لا يلغي قدرته على التسلية وطرح الأسئلة الجدية.
لن نخوض في أحداث المسلسل، لكن الملفت أن الصراع ضمنه إن أردنا النظر إليه بعيداً عن المبالغات الكوميديّة يتحرك على جبهتين. الأولى، صراع مع الممولين والمنافسين، أولئك الذي يسعون إما لتدمير المشروع كالبنك الألماني المركزي ووزارة المالية أو الرهان على فشله عبر الاستثمار ضده. الجبهة الثانية تتمثل بالصراع مع المدير التنفيذي نفسه (CEO) الغارق بالملذات، ذاك الذي يتبع سياسة تسويقيّة مستوحاة من أسلوب أيلون ماسك نفسه، أي أن يكون هو المُنَتَجْ، لا ما تقدمه الشركة، وعلى المستثمرين الثقة به وبالكاريزما التي يمتلكها، لا بقدرة الشركة على تنفيذ الوعود التي تقدمها، ما يحوله، أي المدير التنفيذي، إلى عائق بوجه قدرة الشركة على الإيفاء بوعودها.
الشكل السابق من الصراع يعكس طبقات الرأسمالية وآلية عملها، وكيف تنجز المشاريع على مستوى وطني ودولي، إذ لا يهم ما هو المنتج ولا القدرة على إيصاله للمستخدمين، بل كيف سيفيد المستثمرين ويهدد الشركات الأخرى، والتي تدخل ضمنها "الدولة" بوصفها تريد الحفاظ على نظامها المالي الورقي. وهنا نكتشف ما يحصل في الكواليس، أي قسوة نظام الشركة، وكيف يأكل جسد وعقل العاملين فيها، كحالة أرماند الموعود بالترقية، الذي يجد نفسه مضطراً للكذب، وغسل الأموال، والتلاعب بالحسابات، والتعامل مع رجال العصابات، لا فقط لينقذ مسيرته المهنية، بل لتفادي السجن. وكأن عالم تقنيات المعلومات لا بد له من الانفتاح على عالم الجريمة كيف ينمو ويكبر، كما حصل مع العملات الرقمية والتحويلات المشبوهة التي تتم عبرها، ما جعلها تواجه الانتقادات بشكل دائم.
الملفت أن أرماند يتمكن من تحقيق هدفه بعدما تورط في شرور الشركة. ففي العالم الرأسمالي لا يترفع الشخص وينال ما يستحقه على أساس الـ"عمل" و"المهارة"، بل لا بد من الخديعة والفخاخ والتعاملات المشبوهة كي يصل الشخص إلى القمة، المكان المحتكر للكذبة والمداهنين الذين يسحقون من تحتهم في الهرم الوظيفي لتحقيق الربح والشهرة.
هناك ما هو مثير للاهتمام في المسلسل في ما يخص الانتقادات الموجهة إلى صورة المليونير أو رائد الأعمال، ولا نتحدث عن الخديعة أو الأكاذيب المحيطة بهم، بل عن تقنية تقديس شخص المدير نفسه بوصفه "سلعة"، فشعبية المدير المليونير وقدرته على خلق الضجة حول نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الجديدة للتسويق. وهنا المرعب، إذ تحول العالم إلى حرب استعراض وتغريدات وMemes، دون الحديث عن الخدمات أو السلع، ما أدى إلى خداع المستثمرين والمستخدمين على حد سواء، وهذا ما يمكن أن ينطبق على مارك زوكربيرغ أو أيلون ماسك أو جيف بيزوس، إذ شعبيتهم نفسها هي وسيلة التسويق، لا الخدمات التي يقدمونها، فزوكربيرغ ينتهك خصوصية "الجميع"، وبيزوس يترك العمال في مخازن "أمازون" ضمن شروط لاإنسانيّة. أما ماسك، فيتلاعب بالعملات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي كطفل، لكن كل هذا لا يهم، ما يهم هو الجاذبية والقدرة على الانتشار.