مسلسل "خادمة": أليكس الغارقة في الكنبة

13 أكتوبر 2021
نتابع مشاكل النساء والتفاوت الطبقي بينهنّ (نتفليكس)
+ الخط -

هناك معطيات مهمّة، يطرحها المسلسل الأميركي، "خادمة" (Maid)، الذي يعرض حاليًا على منصة نتفليكس. موضوعات العنف المنزلي والأسري، وتأثير المشاكل الزوجية على الأطفال، ودور المؤسسات الحكومية في علاج هذه المسائل، أكثر الزوايا الظاهرة التي يركز عليها العمل، في حياة البطلة أليكس (مارغريت كوالي).
دراما اجتماعية، منجزة بأسلوب مكثف، تتناسق فيها عناصر العمل الدرامي، من دون افتقار لسلاسةٍ ومرونةٍ في طرح القضايا الأساسية فيها. تسع حلقات، تناوب عليها مجموعة من المخرجين، من دون أن يكون هناك أي تأثير سلبي على الصورة، بعملياتها ومفرداتها، كما لو أن مخرجًا واحدًا أدار دفة العمل بأكمله، بالاعتماد على تقنيات بصرية ملونة بقياسات سينمائية رقمية، مخصصة لدراما من هذا النوع.
مع بداية الحلقة الأولى، والدخول السريع في عمق الأحداث، نلاحظ ضخًا تدريجيًا لخيوط محورية مؤثرة في صميم الرحلة التي ستخوضها أليكس وطفلتها مادي، ذات الربيعين، بدلًا من جذبها إلى مسار البطلة، وكشفها من خلال علاقاتها مع الآخرين. خلا عن محورٍ مرتبطٍ بماضي والديها المنفصلين لنتائج ستخوضها أليكس في علاقتها مع زوجها السكّير، شون. فالقصة مرتبطة بالعنف المنزلي. الجدة بولا (الممثلة إيندي ماكدويل)، والدة أليكس، هربت مع الأخيرة قبل سنوات طويلة من زوجها. والأمر يتكرر مع ابنتها. لكن فارقًا أساسيًا غرضه الإلهام وبث روح التحدي والإصرار على مواكبة الحياة ومماحكة قسوتها، يسدل على ماضٍ غير مشروط تحققه؛ فالأسباب واحدة والنتائج ستكون مختلفة. ومن هنا، ندرك رسالة العمل الهادفة، إلى جانب رسائل أخرى مرتبطة بالشق ذاته، نحو تعزيز ثقة المرأة بنفسها، وبقدراتها الكامنة، من دون التشظي والتواري خلف بؤسها وفشلها، مثلما حدث مع الجدة بولا. لذا، نرى كفاح أليكس وتصميمها على متابعة حياتها والاعتماد على نفسها، من دون اللجوء إلى طلب المساعدة من أحد لدرجة مستفزة، فكبرياؤها وصلابتها وسيلتان هادفتان وإشارتان واضحتان موجهتان لنساء أميركا المعنفّات من قبل أزواجهن. فالعمل نسوي بامتياز.


البطلة، إذن، هي مصدر الأحداث، وبالتالي كل خطوة تخطيها أليكس مرهونة بنتائج مجهولة، وأخرى معلومة، ما يضيف على العمل جمالية التعلق والتلهف لمصير هذه الفتاة الشابة وطفلتها، أمام ظروف الحياة التي تمران بها. وانطلاقًا من عملها كخادمة في إحدى شركات التنظيف عند الطلب؛ تبدأ أليكس مشوارها المرير.
هنا، نشير إلى ثلاثة سياقات متواترة في التأثير، تتداخل في صميم الصراع النفسي والاجتماعي اليومي المحيط بحياة أليكس. السياق الأول، متعلق بالأرقام الجانبية عند زاوية الكاميرا اليمنى، وهي تمثل عدادًا رقميًا يشرّح مردود البطلة ومصروفها. تجربة تعبيرية تتجاوز الشكل العددي الشكلي، لتنصهر معها، كفعل درامي مواز، مكنونات خفية تترجم تفاعلًا ضمنيًا غير مباشر بين البطلة والمشاهد. صعود وهبوط يعكسان، وفق ظروف البطلة والأحداث التي تواجهها، حالة تعاطف وقلقاً مثمرين، لدرجة تصل حدّ التماهي معها. وهذا ما يجعل تصديق البطلة والتفاعل معها أمرًا طبيعيًا، قلّما يحسن المخرجون تنفيذه.
السياق الثاني مرتبطٌ بالحكومة الأميركية وآلياتها في طرح برامج وخدمات مخصصة للنساء، اللواتي خضن تجارب زوجية قاسية من ضرب وتعنيف جسدي أو ترهيب نفسي. هذه البرامج تشمل معطيات عدة من ناحية المأكل والمأوى وحلقات الإرشاد التعليمي والنفسي والتمكين الاجتماعي، ضمن حقل لا يخلو من بيروقراطية في الأداء الخدماتي الذي، وإن يظهر لنا كمَخرجٍ مناسب، تستطيع أليكس وطفلتها اللجوء إليه لتأمين حياة أقل ضررًا من التشرد والضياع، يكشف لنا عن أزمات وعوائق تكلف كثيرًا بغية عيشة حياة معقولة. نجد البطلة تجري من مؤسسة إلى أخرى، ومن دار إلى أخرى، في عملية روتينية صعبة للغاية على أم جاهلة لهذه القضايا. والغاية، هنا، تبرر دراميًا في المسار التوضيحي الذي يمارسه العمل، بغية تسليط الضوء على ميزات هذه البرامج ومساوئها، وتوعية النساء الجاهلات في مثل هذه الأمور، وإرشادهن وفق خطوات مشروحة بعناية.
المسار الثالث، مرتبط بعمليات الإخراج. قالب درامي متماسك، يحافظ على وتيرته، من دون الوقوع في الملل، وفق صورة ذات نزعة سينمائية، تكللها بصمات متقنة في المونتاج، نلاحظها في بعض المشاهد التي أوجزت، بشكل ناجح، الحالة النفسية والعاطفية التي تمر، أو مرت بها البطلة؛ كالغرق في الكنبة. تلك الحفرة العميقة والمظلمة التي تقبع بها أليكس، ولحظات الانسحاب والضعف والروتين المحتم، ثم التحدي والنهوض والبحث من جديد عن الذات، وتقديرها، وصورة المرأة ذات الرداء الأحمر عند الشاطئ، التي تشي بحرية وسعادة تطمح لهما أليكس.
وعلى هذه الوتيرة، وفي معرض الأحداث التي تمر فيها أليكس، لن نجزم بالخلاص المنتظر. ففي كل مرة هناك مطب، وفي كل مطبٍ هناك بارقة أمل لا تلبث الأم المسكينة أن تقطف ثمارها، حتى تقع في مطب آخ.

وهكذا دواليك، إلى أن تصعد الأم مع ابنتها أخيرًا سفح الهضبة، المشهد الذي لطالما حلمت به عندما تم قبولها كطالبة في معهد الفنون الجميلة، قبل إنجابها لـ مادي، طفلتها، وتأجيل حلمها بالكتابة، الذي لم تتخل عنه رغم كل المشقات التي مرت بها. فهي استثمرت، من خلال عملها في تنظيف المنازل، موهبتها في الكتابة القصصية. وهنا إشارات وقضايا أخرى يسلط العمل الضوء عليها، بقلم وأفكار أليكس. كالفروقات بين حياة الفقر والثراء، واختلاف درجات اليأس بين المحيطين. بين ظروف نساء معنّفاتٍ وشبيهاتهن في ظروف مختلفة. بين أزواجٍ يعيشون منفصلين في بيت واحد.

المساهمون