تدرس الصحافة الغربية حالياً خياراتها، وتراجع التزامها بأخلاق المهنة خلال تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإرسال بعض المؤسسات الكبرى مراسليها لمرافقة جيش الاحتلال داخل القطاع الذي يعاني من حرب إبادة متواصلة منذ أكثر من 4 أشهر، بعدما عجز مراسلون أو مصوّرون أجانب من الدخول إلى القطاع إقر إقفال كل المعابر.
مراسلون ممنوعون من الدخول
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، منع الاحتلال دخول الصحافيين العرب والأجانب إلى قطاع غزة، كما أقفلت مصر المعبر أمام الصحافيين، وهو ما جعل التغطية تقتصر على المصورين والمراسلين من أبناء القطاع، أو على هؤلاء الذين وافقوا على مرافقة جيش الاحتلال في جولات داخل أحياء ومناطق القطاع، ثم تقديم المحتوى الذي يصورونه ويدوّنونه إلى الجيش للموافقة عليه قبل النشر. هذا الواقع تحديداً، أي دخول الصحافيين على دبابات إسرائيلية إلى قطاع يتعرض لإبادة جماعية، مقابل استهداف الاحتلال للصحافيين الفلسطينيين سواء بالقتل (124 شهيداً من الصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي منذ بدء الحرب)، أو التهجير، أو الاعتقال، كشف عن إشكالية أخلاقية، بدأ نقاشها أخيراً، وإن متأخراً لأشهر، داخل أبرز المؤسسات الإعلامية في الغرب.
يقول رئيس مكتب صحيفة واشنطن بوست في القدس المحتلة، ستيف هندريكس، لإذاعة صوت أميركا: "إنه لأمر محبط للغاية أننا لا نستطيع الوصول إلى غزة بشكل أكبر". ويوضح "إنهم (الاحتلال الإسرائيلي) لا يسمحون لأي شخص بالدخول إلا في هذه الجولات المصحوبة بمرشدين، وهي صارمة للغاية وخاضعة للرقابة بشكل كبير"، في إشارة إلى الجيش الإسرائيلي.
ما يريده الاحتلال
تقول المحللة السياسية الفلسطينية، نور عودة، للإذاعة: "إنهم (الصحافيون المرافقون للجيش الإسرائيلي) يقدّمون للجمهور ما يريد الجيش الإسرائيلي إظهاره، ثم يغادرون". بينما يرى مدير الأخبار في فلسطين والأردن في وكالة أسوشييتد برس، جوزيف فيدرمان، "أن الجيش لديه سيطرة كاملة على من يدخل وأين تذهب وماذا ترى".
في حديث مع الإذاعة الأميركية ادعى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليور هايات، أن حماس "تتلاعب بالمعلومات المقدمة للمدنيين والمراسلين". وزعم أن ما يقرب من نصف الصحافيين الشهداء "كانوا في الواقع إرهابيين"، تأتي تصريحاته، في ظل تكرار قوات الاحتلال هذا الاتهام للصحافيين الشهداء في قطاع غزة، لتبرير استهدافهم المباشر.
وكان هندريكس قد رافق جيش الاحتلال في جولة في غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقال إنه أقنع الجيش بالتنازل عن شرط الرقابة المسبقة على النشر بالنسبة له. ورغم لا أخلاقية مرافقة جيش يمارس عدواناً بهذه الوحشية على المدنيين، يصرّ مراسلون أجانب على أن الدخول إلى غزة رفقة الإسرائيليين أفضل من عدم الدخول، كما تنقل "صوت أميركا".
تبريرات الاحتلال
يقول جوزيف فيدرمان، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة جمعية الصحافة الأجنبية في القدس، إن "الأمر برمته يخضع لرقابة شديدة... في الوقت الحالي، نحن في فترة من الوصول غير الكامل. لذا، أن يرافق مراسلون الجيش أفضل من لا شيء". وهي التبريرات التي تسوقها أغلب المؤسسات الكبرى التي أرسلت صحافييها لدخول القطاع المدمّر على متن آليات عسكرية إسرائيلية، في ظل الانتقادات التي طاولتها واتهمتها بتبرير جرائم الاحتلال بتغطيتها هذه.
من جهتها قالت رئيسة مركز كريغ نيومارك للأخلاق والقيادة في معهد بوينتر، كيلي ماكبرايد، إنها ترى أن لا قيمة حقيقية في مرافقة الصحافيين لجيش الاحتلال. وتوضح لـ"صوت أميركا" أن "هذا أشبه بحدث مسرحي أكثر من كونه نظرة حقيقية لما يحدث"، مضيفةً أن على الصحافيين أن يكونوا صريحين مع الجماهير بشأن القيود، وتقول "على الصحافي أن يخبر الجمهور أنه ينظر إلى الحدث، حصراً من النافذة التي منحها له الجيش". بينما تري مديرة الصحافة وأخلاقيات الإعلام في جامعة سانتا كلارا، سوبرامانيام فنسنت، أنه من المهم للصحافيين أن يدركوا أن الجيوش لديها أسبابها الخاصة للسماح للصحافيين بمرافقتها: "إنهم ينظرون إلى وسائل الإعلام كأداة استراتيجية للصراع وللسلطة، ويريدون السيطرة على السردية".
من جانبها تذكّر الصحافية المستقلة المقيمة بين رام الله والأردن، داليا حتوقة، بأنه يقع على عاتق الصحافيين التأكد من أنهم لن يصبحوا أداة في أيدي الجيش. وتوضح أنه قد تكون هناك قيمة في مرافقة الجيش طالما أن الصحافي مستعد لمحاسبة الجيش الإسرائيلي وطرح أسئلة صعبة. ولكن في كثير من الأحيان، فإن هذه التغطية "تتعامل مع كلمة الجيش الإسرائيلي كأنها مقدّسة...".