في الوقت الذي أعلنت فيه نقابة الصحافيين الفلسطينيين والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة ارتفاع عدد الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى أكثر من 80، اكتفت منظمة "مراسلون بلا حدود" بالإشارة إلى مقتل 13 صحافياً في القطاع، في حصيلتها السنوية الصادرة اليوم الخميس.
"مراسلون بلا حدود": 45 صحافياً قتلوا هذا العام، 13 منهم في غزة
وفقاً للحصيلة السنوية التي كشفت عنها "مراسلون بلا حدود"، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، قتل 45 صحافياً خلال أدائهم مهنتهم في 2023، وهي الحصيلة "الأدنى" منذ أكثر من عشرين عاماً عندما قتل 33 صحافياً في 2002، رغم "المأساة" في غزة.
وجاء في تقرير المنظمة أنه "خلال شهرين من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، فقد 17 صحافياً حياتهم حين كانوا يؤدون واجبهم المهني، 13 منهم في غزة، و3 في لبنان، وواحد في إسرائيل".
وقال الأمين العام للمنظمة، كريستوف ديلوار لوكالة فرانس برس: "نسجل تراجعاً منتظماً (في القتلى) بعيداً جداً عن 140 صحافياً قتلوا في 2012 ومن ثم 2013" خصوصاً جراء الحرب في سورية والعراق، "لكن ذلك لا يخفف بشيء من المأساة في غزة". وأشار ديلوار، في تقرير "مراسلون بلا حدود" السنوي، إلى أنه "بين المدنيين في غزة، يدفع الصحافيون ثمناً باهظاً. لاحظنا أن عدد الصحافيين الذين قتلوا بسبب عملهم مرتفع للغاية: 13 على الأقل في هذه المنطقة الصغيرة. تقدمنا بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحديد الحقائق وإلى أي مدى كان استهداف الصحافيين متعمداً".
وعزت المنظمة التراجع في أعداد القتلى بين الصحافيين هذا العام، جزئياً، في مناطق محددة، إلى "ارتفاع جهوزية الصحافيين عند تغطية الصراعات المسلحة"، وإلى "تمتع الصحافيين بحماية أفضل، وذلك بفضل إنشاء أطر تنظيمية وتعزيز آليات مكافحة الإفلات من العقاب" في المناطق التي لا تشهد صراعات، و"في بعض المناطق، بفضل الرقابة الذاتية التي تؤدي إلى تقليل التعرض للأذى الجسدي".
منهجية "مراسلون بلا حدود"
شرحت "مراسلون بلا حدود" أن حصيلتها تقوم "على أساس بيانات دقيقة جمعت في الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني إلى 1 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتشمل الصحافيين المحترفين وغير المحترفين والعاملين في مجال الإعلام"، وأشارت إلى أنها "تجمع معلومات مفصلة تسمح لها بالتأكيد، بقدر كبير من الثقة، على أن اعتقال أو اختطاف أو اختفاء أو وفاة كل صحافي كان نتيجة مباشرة لعمله الصحافي، وقد تفسر هذه المنهجية الاختلافات الإحصائية مع المنظمات الأخرى".
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أكد رئيس مكتب الشرق الأوسط في "مراسلون بلا حدود"، جوناثان داغر، أن وضع الصحافيين في غزة "كارثي"، موضحاً أن المنظمة اكتفت بذكر 13 قتلوا في القطاع، رغم أنها لا تنكر أن العشرات قتلوا هناك، لصعوبة التوثيق ولاعتماد المنهجية والمقارنة بدول أخرى. لكنه شدد على أنها تواصل التأكد من العدد، لكن ببطء، إذ إن "63 صحافياً قُتلوا في غزة، من بينهم 13 في أثناء أداء واجبهم".
وشرح أن المعايير التي تعتمدها المنظمة لتحديد إن كان الصحافيون قتلوا في أثناء أداء عملهم تشمل مثلاً وجودهم على الأرض وهم مرتدون السترة والقبعة اللتين تشيران إلى مهنتهم، وتلقيهم مثلاً تهديدات معينة قبل مقتلهم، وإن استهدفوا في مكان منعزل برصاص قنّاص مثلاً أو غيره...
شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية
كانت "مراسلون بلا حدود" قد أعلنت، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنها رفعت شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحق صحافيين خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، "تتضمّن تفاصيل حالات 9 صحافيين قتلوا منذ السابع من أكتوبر (8 فلسطينيين، وإسرائيلي)، واثنين أصيبا في أثناء ممارسة عملهما". وأشارت الشكوى إلى "التدمير المتعمد، الكلي أو الجزئي، لمباني أكثر من 50 وسيلة إعلامية في غزة".
وقال الأمين العام لـ"مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار حينها إن "حجم الجرائم الدولية التي تستهدف الصحافيين وخطورتها وطبيعتها المتكررة، ولا سيما في غزة، يستدعي إجراء تحقيق ذي أولوية من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. نحن ندعو إلى ذلك منذ عام 2018. وتظهر الأحداث المأساوية الحالية مدى الحاجة الملحة إلى تحرك المحكمة الجنائية الدولية".
وهذه الشكوى الثالثة التي تقدمها "مراسلون بلا حدود" إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين الفلسطينيين في غزة منذ عام 2018. قدمت الشكوى الأولى في مايو/ أيار 2018، وتتعلق بالصحافيين الذين استشهدوا أو أصيبوا خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة. أما الشكوى الثانية، فقدمتها في مايو/ أيار 2021، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على أكثر من 20 وسيلة إعلامية في قطاع غزة. كذلك دعمت "مراسلون بلا حدود" الشكوى التي قدمتها قناة الجزيرة بشأن اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في الضفة الغربية، يوم 11 مايو 2022.
"مراسلون بلا حدود": إسرائيل قتلت عصام العبدالله
كانت "مراسلون بلا حدود" قد أكدت أن استشهاد المصور الصحافي اللبناني عصام العبدالله، في 13 أكتوبر، "كان نتيجة ضربة مستهدفة من اتجاه الحدود الإسرائيلية". وأوضحت المنظمة أنه "بحسب التحليل الباليستي (مسار المقذوف) الذي أجرته، جاء إطلاق النار من شرق المكان الذي كان الصحافيون واقفين فيه، من اتجاه الحدود الإسرائيلية... ضربتان في المكان نفسه في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن (أكثر بقليل من 30 ثانية)، من الاتجاه نفسه، تشيران بوضوح إلى استهداف دقيق".
هذه النتيجة شددت عليها لاحقاً تحقيقات أجرتها منظمتا العفو الدولية (أمنستي) وهيومن رايتس ووتش، ووكالة فرانس برس، ووكالة رويترز. ودعت المنظمتان الدوليتان، في 12 ديسمبر، إلى التحقيق في "جريمة حرب".
السلطات الإسرائيلية تهدد صراحة بقتل الصحافيين
في نوفمبر، أشارت "مراسلون بلا حدود" إلى أن "السلطات الإسرائيلية انتقلت من الإقرار بأنها لا تستطيع ضمان حماية الصحافيين في غزة إلى التهديد الصريح بقتل الصحافيين الذين يغطون النزاع (...) من غير المقبول بتاتاً إطلاق مثل هذه الدعوات والتصريحات التي تشكِّك في نزاهة مهنة بأكملها. وإذ تُدين "مراسلون بلا حدود" هذا التحريض، فإنها تُذكِّر في الوقت ذاته بأن استهداف الصحافيين الذين يوثقون النزاع إنما يندرج ضمن جرائم الحرب".
كذلك دانت أخيراً "القمع المتفاقم للصحافيين على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تعيش على وقع زيادة في وتيرة الاعتقالات التعسفية بحق الفاعلين الإعلاميين الذين يغطون تداعيات الحرب على غزة".
"مراسلون بلا حدود" تدعو إلى فتح معبر رفح أمام الصحافيين
دعت "مراسلون بلا حدود"، هذا الشهر، إلى فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر أمام الصحافيين للسماح بخروج الراغبين وإتاحة دخول آخرين لتغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي تحقيق نشرته المنظمة أمس الأربعاء، اتهمت السلطات المصرية بـ"التواطؤ في التعتيم على تغطية ما يحصل في غزة". وكشفت أن السلطات المصرية تعمّدت منع دخول الصحافيين إلى غزة عبر معبر رفح.
وأشارت المنظمة إلى أنّ القاهرة "تتهم وسائل الإعلام الدولية بالانحياز لإسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تمنع الصحافيين من دخول قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي الذي يفترض أنه تحت سيطرتها".
نقابة الصحافيين الفلسطينيين: 80 صحافياً استشهدوا في غزة
إلى ذلك، وثقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين قتل الاحتلال الإسرائيلي 80 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام حتى الخميس، منذ بدء العدوان على قطاع غزة، إثر عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري المسلح لحركة حماس، والتي قتلت أكثر من 1200 إسرائيلي. وإذا توقفنا عند التاريخ الذي توقفت عنده حصيلة "مراسلون بلا حدود" السنوية (1 ديسمبر)، فإن العدد ينخفض إلى 70 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي.
وأفاد الاتحاد الدولي للصحافيين، الجمعة الماضي، بأن العدوان المتواصل على غزة "حصد أرواح صحافيين أكثر من أي صراع آخر منذ أكثر من 30 عاماً"، مشيراً إلى أن 68 صحافياً استشهدوا في غزة، منذ السابع من أكتوبر، أي أكثر من صحافي واحد في اليوم، وهو رقم يشكل 72% من إجمالي وفيات الإعلاميين في أنحاء العالم كافة (94 صحافياً).
استهداف الصحافيين حول العالم
وفقاً لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، سقط في النزاع في أوكرانيا صحافيان فقط خلال 2023، أحدهما مراسل وكالة فرانس برس، أرمان سولدين، وهو "الصحافي الوحيد الذي قتل في بلد غير بلده" خلال العام الحالي. وقد قتل 11 صحافياً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
وتتميز الحصيلة العامة لعام 2023 بـ"تراجع ملحوظ" في عدد الصحافيين القتلى في أميركا اللاتينية، مع مقتل 6 صحافيين هناك، في مقابل 26 في 2022. في المكسيك التي شهدت أكبر عدد من القتلى وراء غزة، سقط أربعة صحافيين في 2023 في مقابل 11 العام الماضي. لكن التقرير أشار إلى أن ذلك لا يعني أن أمن الصحافيين تحسن "كما تظهر عمليات الخطف الثلاث والهجمات المسلحة على أربعة صحافيين في نهاية عام 2023".
وكشفت "مراسلون بلا حدود" أن ثلث الصحافيين المفقودين في العالم، وعددهم 84، مكسيكيون.
وتراجع عدد الصحافيين المسجونين من 569 في 2022 إلى 521 خلال عام 2023، فيما انضمت بيلاروسيا إلى الصين وميانمار "كواحدة من أكبر ثلاثة سجون في العالم". ولفتت "مراسلون بلا حدود" إلى أن تركيا وإيران تزجان صحافيين في السجون بشكل متكرر.
ويحتجز 54 صحافياً رهينة حالياً مقارنة بـ62 في 2022.