منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا بداية العام الماضي، وما ترتب عنها من هيمنة خطاب الصوت الواحد على القنوات التلفزيونية الفيدرالية وإغلاق كل وسائل الإعلام الليبرالية المؤثرة، أو نقل مقارها إلى الخارج، سطع نجم مجموعة من المدونين والمراسلين الحربيين الروس ممن أنشأوا قنوات "زد"، نسبةً إلى الحرف اللاتيني Z، الرامز إلى العملية العسكرية الروسية، على تطبيق تليغرام.
ولعل من أشهر هؤلاء، المدون الحربي يوري بودولياكا، البالغ عدد متابعيه نحو 2.7 مليون، والمراسل الحربي في صحيفة كومسومولسكايا برافدا، ألكسندر كوتس (أكثر من 650 ألفاً)، ووزير الدفاع السابق لـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، إيغور غيركين، وشهرته "ستريلكوف" (نحو 800 ألف)، وفلادلين تاتارسكي (560 ألفاً) الذي لقي حتفه جراء انفجار في مقهى في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ مطلع إبريل/ نيسان الحالي.
يختلف هؤلاء عن الصحافيين بالمفهوم المعتاد للكلمة، لكونهم لا ينتمون بالضرورة إلى مؤسسة إعلامية بعينها، ولا يلتزمون، رغم دعمهم المطلق للحرب على أوكرانيا، حرفياً الخطوط العريضة للخطاب الرسمي الإعلامي الروسي.
ولا يتردد المدونون الحربيون في أحيان كثيرة في توجيه انتقادات لاذعة إلى كبار القادة السياسيين والعسكريين الروس وأساليبهم في إدارة العملية العسكرية الخاصة، وحتى يشككون في ولائهم لروسيا، ويطلقون مبادرات للتبرع لدعم العسكريين الروس على الجبهة بالعتاد.
ويرجع المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، المجال الواسع من الحرية التي يحظى بها المراسلون الحربيون في التعبير عن آرائهم وتقديراتهم إلى عدم تعارضها مع الخط العام للدولة مع انعدام قدرتهم على التأثير في الرأي العام على مستوى عموم البلاد.
ويقول تشالينكو الذي زار هو نفسه مناطق شرقيّ أوكرانيا مرات عدة بعد بدء الحرب، في حديث لـ"العربي الجديد": "تنطبق الرقابة في روسيا على وسائل الإعلام المؤثرة في الرأي العام مثل القنوات التلفزيونية الفيدرالية، بينما تتمتع الصحف بحرية أكبر، رغم أن الدولة تملك أدوات للتضييق عليها مثل حجب المواقع أو منع طباعتها. في المقابل، لا مجال لإخضاع القنوات على تليغرام لأي رقابة". ويلفت إلى أن هذا الوضع يدفع السلطات إلى كسب ولاء القائمين على القنوات الداعمة للعملية العسكرية عبر تقديم حوافز مختلفة، مثل دعوتهم إلى المشاركة في البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية، أو حضور فعاليات في الكرملين.
ويقلل من خطورة تأثير قنوات "زد" بالمزاج العام السائد في روسيا، مضيفاً: "على الرغم من الانتقادات التي يوجهها القائمون عليها إلى السلطة، إلا أنها ترى فيهم أناساً وطنيين على عكس أولئك الصحافيين والمدونين الرافعين لشعارات من قبيل (لا للحرب) والمناهضين للعملية العسكرية الخاصة من أساسها".
من جهته، اعتبر المدون المعارض الهارب، مكسيم كاتز، أن جمهور مراسلي "زد" لا يبحث عن إعادة بث الدعاية، بل هو "جمهور متعطش للدماء"، فيقدمون له لقطات عنيفة من منطقة القتال مع تقديرات مستقلة للأحداث والانتقادات للسلطة والعسكريين لـ"قلة القصف وانعدام الحسم". وفي مقطع فيديو سجله بعيد مقتل تاتارسكي، رأى كاتز أن التباين بين الصورة التلفزيونية والواقع زاد من الإقبال على متحدثين لا يسترشدون بتوجيهات الكرملين التي لم تعد تواكب التطورات على الجبهة.
وأظهر مسح أجراه "العربي الجديد" للمنشورات الأخيرة في قنوات "زد" الرئيسية على "تليغرام" أنها مليئة بعبارات غاضبة، بل ساخرة من التعثر الروسي في أوكرانيا. وفي أحيان أخرى، سبّب المدونون الحربيون إحراجاً للكرملين، حين سجل تاتارسكي في ختام مراسم ضم مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون التي حضرها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، مقطع فيديو قال فيه: "سننتصر على الجميع، وسنقتل الجميع، وسنسرق من يجب سرقته، وسيكون كل شيء مثلما نحب".
ويصف تشالينكو الذي التقى تاتارسكي مرات عدة، وحضر جنازته في موسكو الأسبوع الماضي، شخصية المدوّن الراحل قائلاً: "كان تاتارسكي مراسلاً حربياً ميدانياً عمل طوال الوقت على الجبهة، وهو نموذج لشخصية روسية جنوبية راديكالية في مواقفهما وعنيفة في طريقة التعبير عنها".
ولما كان تاتارسكي سجيناً سابقاً هرب من إصلاحية أوكرانية في بداية النزاع المسلح في دونباس عام 2014، لا تزال تسجيلاته ومنشوراته تثير تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي حتى بعد مقتله.
ومع إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، أصبح صحافيون داعمون للحرب الروسية هدفاً للهجمات والاعتداءات، إذ كشف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في بداية مارس/ آذار الماضي، عن إحباط ما قال إنّها محاولة الأجهزة الخاصة الأوكرانية تدبير عملية اغتيال رجل الأعمال، قسطنطين مالوفييف، وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة قناة "تسارغراد" ذات التوجهات المحافظة. وفي أغسطس/ آب الماضي، اغتيلت الصحافية داريا دوغينا، ابنة المنظّر القومي الروسي، ألكسندر دوغين، الذي يلقبه الإعلام الغربي بـ"عقل بوتين"، وذلك في أثناء عودتها من مهرجان في ضواحي موسكو، بواسطة تفجير قنبلة مزروعة في سيارتها.