قال المخرج المصري محمد دياب، إنه لم ينكث بوعده في ما يتعلق بفيلمه "أميرة"، الذي أثار الجدل نهاية العام الماضي، واتُهم بالإساءة إلى الأسرى الفلسطينيين في قضية "النطف المحررة"، مشيراً إلى أنه توصل إلى اتفاق مع ممثلي الأسرى في شأنه، وأن العرض من عدمه ليس بيد صنّاعه.
وسط موجة الانتقادات الحادّة، نشر محمد دياب بياناً باسم أسرة الفيلم، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشار فيه إلى أن "الفيلم يتناول معاناة وبطولات الأسرى وأسرهم، ويظهر معدن الشخصية الفلسطينية التي دوماً ما تجد طريقة للمقاومة والاستمرار، ويحاول أن يغوص بعمق في أهمية أطفال الحرية بالنسبة للفلسطينيين".
وأكدت أسرة الفيلم أنها "تتفهم الغضب الذي اعترى الكثيرين على ما يظنونه إساءة للأسرى وذويهم"، وأن "الهدف السامي الذي صنع من أجله الفيلم لا يمكن أن يتأتى على حساب مشاعر الأسرى وذويهم الذين تأذوا بسبب الصورة الضبابية التي نسجت حول الفيلم"، وأنها "تعتبر الأسرى الفلسطينيين ومشاعرهم الأولوية لنا وقضيتنا الرئيسية"، لذلك "سيتم وقف أي عروض للفيلم، ونطالب بتأسيس لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدته ومناقشته. نحن مؤمنون بنقاء ما قدمناه في فيلم أميرة، من دون أي إساءة للأسرى والقضية الفلسطينية".
لكن يبدو أن عروض الفيلم لم تتوقف فعلاً كما وعد صناعه، إذ أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أنه عرض مرتين خلال الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، التي أقيمت في مدينة جدة السعودية بين 6 و15 ديسمبر الماضي.
والأسبوع الماضي، وزعت شركة ماد سوليوشنز المنتجة للفيلم بياناً صحافياً، احتفت فيه بفوز "أميرة" بالجائزة الفضية لأفضل فيلم روائي في مهرجان جنيف الدولي للسينما الشرقية، الذي أقيمت فعالياته بين 13 و19 يونيو/حزيران الحالي.
وعرض الفيلم الجمعة في 17 يونيو/ حزيران، وفق ما يفيد الموقع الإلكتروني للمهرجان. وذكر بيان الشركة أن لجنة التحكيم أشادت بـ"قدرة الفيلم على التعامل مع موضوع بهذه الحساسية يتعلق بمسألة الهوية الفردية، وهل تحددها الوراثة أم الانتماء الثقافي والاجتماعي، كما أشادت بأداء الممثلين ومواقع التصوير وإيقاع الفيلم".
وقال محمد دياب، لـ"العربي الجديد"، إنه أعلن في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، توصله مع ممثلي الأسرى الذين لم يسمهم، إلى اتفاق يسمح له بعرض الفيلم، وإيقاف حملات التخوين والتشويه والتهديدات التي طاولت صنّاعه.
وأشار دياب أن الفيلم، الذي صور على الأراضي الأردنية، وهو من إنتاج أفراد مصريين وأردنيين وفلسطينيين، وليس من جهات أو دول، و"لم يتردد أي منهم في تحمل الخسارة المادية التي تترتب على إيقاف الفيلم لحين حل المشكلة"، وذكر أن "الدعم الوحيد الذي حصل عليه الفيلم كان من مهرجان البحر الأحمر، وهو يمثل أقل من 3 في المائة من ميزانيته".
وأضاف أنه تواصل في أثناء تصوير الفيلم مع الأسرى الفلسطينيين عبر وسيط، وأكد لهم أنه سينهي الفيلم برسالة توضح أن الفيلم خيالي، وأنه حين لم يتلق رداً منهم، فهم أنهم موافقون على هذه الصيغة. وقال: "الفيلم مسؤولية مخرجه فقط، ودور العاملين فيه من ممثلين ومنتجين هو استشاري غير ملزم، علماً بأن كلاً من شارك في الفيلم كان يعرف اتصالنا بالأسرى، وظنوا أننا توصلنا لتفاهم معهم، وبالتالي هم غير مسؤولين عن أي لبس".
وذكر أن الفيلم يناصر القضية الفلسطينية، مدللاً إلى الصحافة الإسرائيلية التي وصفته بالبروباغندا الفلسطينية، واتهمته بأبشع أنواع العنصرية ضد إسرائيل ووصفته بتشويه صورة السجّان الإسرائيلي.
وأكد دياب أن صناع الفيلم هم من قرروا إيقافه "مؤقتاً" بعد الضجة التي أثيرت، لحين التشاور مع الأسرى، معتبراً "الأمر سابقة تعد دليلاً على الاهتمام بمشاعر الأسرى وذويهم". وأضاف أن "كل العاملين في الفيلم مشهود لهم بتاريخ طويل من الوطنية وإيصال صوت فلسطين للعالم، وكان دافعهم الوحيد للمشاركة إيمانهم بأنهم ينصرون القضية الفلسطينية".
وبيّن أن الخلاف مع ممثلي الأسرى لاحقاً كان حول منع عرض الفيلم، وحينها "أوضحنا لهم أن المطالبة بمنع أي عمل فني هي بمثابة انتحار ثقافي، وتبعاته لا تنحصر على عمل وحيد، بل ستكون سابقة تحد من حرية الإبداع التي كانت سبباً في تميز السينما الفلسطينية عالمياً". وعلل دياب سبب استمرار عروض الفيلم في بعض المهرجانات بالقول إن "حقوق عرض الفيلم حول العالم لا تمتلكها أسرة الفيلم، بل تباع وقت إنتاجه كجزء من تمويله، ولذلك فإن عرض الفيلم حول العالم ليس بيدنا، بل بناءً على اتفاقيات موقعة سابقاً".
تدور أحداث الفيلم حول فتاة تدعى "أميرة" (الممثلة الأردنية الشابة تارا عبود)، وهي مراهقة فلسطينية ولدت بعملية تلقيح مجهري، بعد تهريب نطفة والدها "نوار" (الممثل الفلسطيني علي سليمان)، السجين في السجون الإسرائيلية.
وعلى الرغم من اقتصار علاقتهما على زيارات السجن، يظل "نوار" بطل "أميرة"، ويعوضها حب من حولها عن غيابه، لكن عندما تفشل محاولات إنجاب طفل آخر، يُكشف أن "نوار" عقيم، فتنقلب حياة "أميرة" رأساً على عقب، إذ ترفض والدتها (صبا مبارك) الكشف عن والدها الحقيقي بداية، قبل أن يظهر أن النطفة المهربة تعود إلى ضابط إسرائيلي، فتطلب من "أميرة" الهرب خارج فلسطين للمحافظة على حياتها.
الفيلم الذي رشحه الأردن لتمثيله في الدورة الـ94 لجوائز أوسكار للتنافس عن فئة الأفلام الطويلة الدولية لسنة 2022، قبل التراجع عن هذه الخطوة، هو من إنتاج أردني- فلسطيني- مصري مشترك، من إخراج المصري محمد دياب، وأشرف على إنتاجه محمد حفظي، بمشاركة منى عبد الوهاب ومعز مسعود ويوسف الطاهر ورولا ناصر.