مخرجو الفيديو كليب: الدراما تفتح أبوابها مرة واحدة فقط

25 مارس 2022
قدمت نادين لبكي فيديو كليبات وأفلاماً ناجحة (ماريلا سيسيليا/ Getty)
+ الخط -

لا يمكن، في أي حالٍ من الأحوال، أن نطلب من مخرجي الفيديو كليب، الالتزام باختصاصهم، وعدم التفكير في العمل ضمن المجال التلفزيوني والسينمائي، لأننا نكون قد خسرنا نصف مخرجي هوليوود، الذين بدؤوا مسيرتهم المهنية في عالم الفيديو كليب، مثل ديفيد فينشر، الذي تعامل مع نجوم عالميين، مثل مادونا. ولكن فينشر، في المقابل، حقق نجاحاً كبيراً في السينما، بأعمال مثل Seven وFight Club.
هناك أمثلة كثيرة تشبه حالة فينشر، مثل مارك ويب، وبريت راتنر، وغور فيربينسكي. في حالة هؤلاء، يرتبط الأمر بالقدرة على فهم عمق العمل الدرامي، من خلال قراءة النص، وتبني الشخصيات، وتحويلها إلى لحمٍ ودم ضمن حكاية منطقية جديدة، تناسب التقنيات والجمهور، أكثر من كونها مجرد استعراض لقطات جميلة ومناظر خلّابة.
هذا ما استطاع عدد من المخرجين العالميين التفرقة فيه، من خلال خصوصية كل مادة إخراجية. وهذا لا يعني أن الكليبات أقل شأناً من الدراما، بل لها قيمها الخاصة، التي قد يجهلها العاملون في التلفزيون والسينما. على سبيل المثال، هناك الليث حجو، الذي يُعتبر اسمه ماركة مسجلة في عالم الدراما التلفزيونية. وحين دخل تجربة الكليبات، من خلال أغنية "مبقاش أنا" لأصالة نصري، اعتمد على تقديمه كسهرة تلفزيونية قصيرة، متجاهلاً تركيبة الكليب، ولم يكرر التجربة التي لم ينجح بها.
من جهتها، استطاعت المخرجة اللبنانية، نادين لبكي، تحقيق نجاح واسع في بداية الألفية من خلال كليبات للعديد من النجوم العرب، وخصوصاً مع نانسي عجرم في بداية مسيرتها، بأغانٍ مثل "أخاصمك آه" و"آه ونص" و"يا طبطب" وغيرها. لكن سرعان ما ابتعدت عن هذا المجال، لتدخل في صلب شغفها في العمل السينمائي، من خلال أفلام استطاعت الوصول إلى المهرجانات العالمية، مثل "هلق لوين"، و"كاراميل"، و"كفرناحوم".
أثبتت لبكي أنها تملك رؤية فنية خاصة، كرّستها مخرجةً سينمائيةً. لكن هذه العدوى انتقلت إلى زملائها، الذين اعتقدوا أن الأمر بهذه البساطة، وأن المخرجة اللبنانية نجحت. فلماذا لا ينطبق الأمر عليهم؟ شاهدنا تجارب مختلفة مثل Meheret لفادي حداد، و"الفلوس" لسعيد الماروق، و"صدفة" لباسم كريستو. معظم هذه التجارب لم تلقَ رواجاً جماهيرياً، وكانت في الغالب تجارب يتيمة، ملّ أصحابها بعدها، أو كان الأمر لا يتجاوز التجربة أو الفرصة. ولعلّ السينما نفسها أغلقت الباب في وجوههم، ليعودوا إلى العالم الذي أتوا منه، خاصةً أن أرشيفهم يحمل بعض التجارب الناجحة ضمن اختصاصهم الأصلي.
بعد تراجع الإنتاج الموسيقي عربياً، وصعود الإنتاج الدرامي، قلَّ اهتمام المغنين في تصوير الأغاني على طريقة الكليبات، وبات يعتمد طريقة Lyrics Video لخفض التكلفة الإنتاجية؛ لأن المغني بات ينتج لنفسه، بعد أن أصبحت معظم الشركات، مثل "روتانا"، تختص في التوزيع، وليس الإنتاج، وبالتالي قل الطلب على المخرجين. حينها، بدأت الشركات اللبنانية في الدخول ضمن دائرة الإنتاج الدرامي الكثيف، رغم غياب أو قلة الكوادر البشرية المتخصصة في الإخراج والكتابة والتنفيذ وغيرها، فتحوّل عمل المخرجين من الكليبات إلى الدراما، مثل تجربة وليد ناصيف في العمل المشترك "جريمة شغف". لم يقو ناصيف على ضبط الحكاية، وتقديم الشخصيات كما يجب، بل كان عمله مفككاً واستعراضاً لحركة الكاميرا، لا أكثر، رغم أن المسلسل جمع العديد من نجوم العالم العربي، مثل قصي خولي وأمل عرفة ونادين الراسي ونجلاء بدر ومنى واصف وتقلا شمعون.
تزامنت تجربة ناصيف مع تجربة إيلي السمعان في الدراما، والتي بدأها من خلال بعض الأعمال المحلية، مثل "زوجتي أنا" و"أصحاب تلاتي"، وأخفق فيها بشكلٍ واضح، لينطلق إلى التجارب المشتركة في "العودة"، و"شتي يا بيروت"؛ عمله الأخير الذي اعتمد فيه على التشويق، ولكنه خسر معركته مع المحافظة على الإيقاع والتماشي مع النص بشكلٍ متوازن، ليصل إلى بر الأمان، وهو يعمل الآن على إخراج مسلسل "بيروت 303"، الذي كان من المفترض أن يبصر النور في رمضان 2022، إلا أنه خرج من الموسم.
من جهته، قدّم جو بو عيد تجربته السينمائية الأولى عبر فيلم "تنورة ماكسي"، التي نقل فيها قصته مع والدته وحياتها. ولكن أدواته كانت ضائعة بين الحقيقة والخيال، كالقصة التي شتّتت المشاهد، وأغرقته في الفانتازيا المجانية، ليقرّر بعدها دخول عالم الدراما العام الفائت، عبر المسلسل القصير "صالون زهرة"، الذي قدّمه كفيديو كليب طويل، معتمداً على اللقطات الجمالية والكوادر اللافتة والألوان الحيّة، من دون أن يهتم بقراءة النص والتعديل عليه، أو تقديم حكاية تليق بالمشاهد، فكانت الشخصيات مشتتة تماماً، ليعيد نفس الأخطاء مؤخراً من خلال "رقصة المطر".

سينما ودراما
التحديثات الحية

تجربة المخرجات ليست أفضل بكثير؛ إذ حاولت رندة علم دخول مجال الدراما عبر مسلسل "الديفا"، ثم مسلسل "حادث قلب". كانت الأخطاء في التجربتين أصعب من أن تُحصى، ولا سيما أن علم، حتى على مستوى الكليبات، لم تترك أثراً يُذكر، والأمر عينه ينطبق على المخرجة ليال راجحة، من خلال تجربة "عالحد"، التي اعتمدت فيها على الكوادر الضيقة الباهتة، وكأنه كليب لأغنية حزينة، من دون أي نضج في عرض النص، الذي كان من الممكن أن يُقدّم بشكلٍ أفضل، لو كان المخرج محترفاً.
إن فكرة استقدام هؤلاء المخرجين لدخول مجال الدراما، تحدث في الغالب ضمن شركة "الصبّاح" أو منصة "شاهد". ومن الواضح قصور الرؤية الدرامية لديهم في اختيار ربّان العمل، أو على الأقل عدم تكرار التجربة مع من أثبتوا تواضع أعمالهم. وكأن أصحاب القرار، في هذه المؤسسات، لا يستنكهون الفن، لنشعر أن هذه الشركة هي الوجه الآخر لشركة "روتانا"، التي أصبحت تنتج وتتعامل مع أي كان، حتى أثقلتها خسائرها.

وربما يكون المبرر عدم وجود العديد من المخرجين المحترفين في لبنان لصناعة دراما من النوع الثقيل، ولكن يمكن الاعتماد على المخرجين العرب المحترفين، كما شاهدنا في العديد من التجارب المشتركة، وتبني الجيل الجديد ضمن مهنة المخرج المساعد، ليتعلّم من أصحاب الكفاءات خيوط اللعبة، ويستطيع بعدها إدارة العمل وحده، كما تفعل أي شركة تجارية في استقدام الخبراء الأجانب لتعليم كوادرها، بدلاً من قتل النص الدرامي بالفساتين والألوان والحركات التي تليق بمغنية ترغب في استعراض رشاقتها، وليس ممثلة تؤدي الحوار.

المساهمون