استمع إلى الملخص
- تتوزع معروضات المتحف على ثلاثة طوابق، تعكس مراحل التنوير الصوفي: الجذور، التعلم ونقل المعرفة، والتحول والعلاقة بين الأرض والكون، مع أعمال لفنانين معاصرين.
- يخطط المتحف لبرنامج عروض فنية معاصرة، بدأ بمعرض "سماء داخلية" بمشاركة فنانين عالميين يناقشون الروحانية والتنوير، مثل يونس رحمون وسيفا كلاين وبيانكا بوندي.
متحف الفن والثقافة الصوفية هو أحدث المساحات الفنية التي أُعلن عنها أخيراً في العاصمة الفرنسية بوصفه أول متحف من نوعه في أوروبا. أنشئ المتحف بتمويل مدرسة شاه مقصودي للتصوف الإسلامي في إسطنبول، ويضم أكثر من 350 قطعة من الأعمال التراثية والفنية والرسومات المستلهمة من الفكر الصوفي. في هذه المساحة، سيستمع الناس إلى الموسيقى ويتأملون الأعمال التي توظف الخط العربي والزخارف الإسلامية.
يطل المتحف الجديد على نهر السين، ويحتل مبنى تاريخياً مكوناً من ثلاثة طوابق يعود إلى القرن التاسع عشر في ضاحية غربي باريس. يقع هذا الفضاء في منطقة هادئة تُناسب الأجواء الروحانية التي يحرص المتحف على توفيرها، كما تقول مديرته ألكساندرا بوديلوف، فهو بعيد عن صخب المدينة وأقرب إلى الطبيعة وفكرة التأمل التي تعد جزءاً من الفكر الصوفي. كما يحتفظ مبنى المتحف بطرازه المعماري الأصلي، وفيه حديقة ومكتبة تضم المئات من الكتب البحثية المتعلقة بالتصوف الإسلامي.
تشمل مجموعة المتحف عشرات المخطوطات القديمة ونماذج لأدوات الكتابة التي يستخدمها الخطاطون. تتضمن المجموعة نماذج متنوعة من رسوم المنمنمات وأعمال السجاد اليدوي، إلى جانب أدوات تُستخدم يومياً ولها رمزية خاصة، مثل العصي والمسابح والعباءات. هذه الأشياء ليست مجرد قطع تراثية، كما تقول مديرة المتحف، فهي تنطوي على دلالة خاصة لدى المتصوف، وتوضح كيف يدمج المتصوف إيمانه في كل جانب من جوانب حياته اليومية.
تتوزع معروضات المتحف على الطوابق الثلاثة على نحو يعكس المراحل التي يمر بها الصوفي في سبيله إلى التنوير نهايةً. تُسلط الأعمال المعروضة في الطابق الأول الضوء على جذور الصوفية والتعريف بها بأشكال متنوعة، لذا فهو يضم العديد من المقتنيات التي لها معنى رمزي. يركز الطابق الثاني على فكرة التعلم وتمرير المعرفة الصوفية بين المعلم وطلابه، وكيف تُمثَّل الصوفية من خلال أشكال فنية مختلفة، مثل الشعر والخط والموسيقى. أما الطابق الأخير فهو مُخصص لفكرة التحول والعلاقة بين الأرض والكون، ويضم هذا الطابق عدداً من أعمال الفنانين المعاصرين الذين يقتربون من هذه الفكرة.
إلى جانب مجموعته من الأعمال التراثية، يُخطط المتحف لوضع برنامج متنوع من العروض للأعمال الفنية التي يبدعها فنانون مُعاصرون تتصل تجاربهم بالفكر الصوفي بطرق مختلفة. ودُشّن أول هذه المعارض النوعية تحت عنوان "سماء داخلية"، وهو يستعير عنوانه من كتابات الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربين. يضم المعرض أعمال سبعة فنانين معاصرين من دول مختلفة ويستمر حتى السادس من إبريل/نيسان المُقبل. دُعي هؤلاء الفنانون لإنشاء أعمال مُخصصة للمتحف، وهي أعمال تُناقش العديد من جوانب التصوف، مثل الروحانية والتنوير والاتصال بالطبيعة. الفنانون المشاركون هم سيفا كلاين من الولايات المتحدة الأميركية، وبيناري سانبيتاك من تايلاند، ويونس رحمون من المغرب، ومنير شهرودي من إيران، وتروي ماكازا من زيمبابوي، وبيانكا بوندي من جنوب أفريقيا، والفرنسية كلوي كوينوم.
قدم الفنان المغربي يونس رحمون ثلاثة أعمال فنية مُترابطة عرضها في بهو الطابق الأول من المتحف يستلهم خلالها شكل المنزل، لكنه منزل مصنوع من الراتنج الأبيض الشفاف أو الملون. يقول رحمون إن المنزل هنا يمثل مكان اللجوء، أو ربما المكان الذي يمكننا أن نشعر فيه بالتناغم مع الكون ومع أنفسنا أيضاً. في أحد هذه الأعمال أنشأ الفنان سبعة منازل مُتشابهة في التكوين لكن لكل منها لون مختلف. تمثل الألوان السبعة هنا، بحسب الفنان، الكون اللانهائي وكذلك الألوان التي يتشكل منها الضوء.
بين المُشاركين تُبدو لوحات الفنانة الأميركية سيفا كلاين مثالاً واضحاً على كيفية ترجمة التعاليم الصوفية في أعمال فنية مُعاصرة. تعتمد أعمال كلاين ذات الطبيعة الهندسية على شكليّ الدائرة والمربع باعتبار الأول مُعبراً عن اللانهائية والآخر عن العالم المحدود للمعرفة. يتداخل كلا الشكلين في لوحات كلاين لتأكيد فكرة التداخل بين العالمين: المطلق والمحدود، اللذين نستطيع عبورهما بوعينا إذا أردنا.
أما بيانكا بوندي وهي فنانة من جنوب أفريقيا فتسلط الضوء في أعمالها على ارتباط الصوفية بالطبيعة. تُشكل بوندي العديد من التركيبات عبر المزج بين النباتات الحقيقية والصخور وبلورات الملح لتخلق ما يشبه الحدائق المصغرة. بين الأعمال البارزة أيضاً يأتي عمل الفنانة التايلندية بيناري سانبيتاك وهي فنانة معروفة بأعمالها التي تستكشف من خلالها أفكاراً حول الأنوثة والأمومة والروحانية. تقدم سانبيتاك هنا لوحات جديدة مستوحاة من عالم الدراويش في باكستان حيث قضت هناك عدة أشهر. في هذا التركيب يتكرر حضور اللون الأحمر المستلهم من العباءات الملونة التي يرتديها الدراويش في باكستان، وهو لون مُعبر عن الارتقاء والتنوير كما تقول الفنانة.