هل سبق وتعرضتم لمحتوى "المؤثرة" (Influencer) الفرنسية روبي نيكارا التي تبيع مياه حوض الاستحمام الخاصة بها؟ سنشرح لكم: تملأ الشابة حوض استحمامها مياهاً، ثم تخلط معها قليلاً من المستحضرات والعطور، وتسترخي داخلها لساعات. مع خروجها من حوض الاستحمام، لن تترك المياه تذهب عبثاً، بل ستضعها في عبوات، ثمّ تبيعها عبر الإنترنت. هذا ما أخبرت به الشابة متابعيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام الفرنسية: "مياه حوض استحمامي جاهزة للبيع. 39,99 يورو للعبوة الواحدة".
هل سبق وتعرضتم لمحتوى "المؤثرة" الفرنسية ماييفا غينام (مقيمة في دُبي)، وهي تحكي عن العملية التي خضعت لها على مستوى أعضائها التناسلية، وعن شعورها المُستجدّ بأنها تملك "عضو طفلة عمرها 12 عاماً"؟ خلق هذا الفيديو جدلاً في فرنسا، وتسابق الأطباء للتحذير من خطورة هذا المحتوى وعدم دقته، وتأثيره السلبي على متابعيها، خصوصاً المراهقين منهم. هذا عدا عن الترويج لعمليات التجميل، وحبوب التنحيف، واستعراض الحقائب والسيارات الثمينة، كنمط حياة.
ما سبق أعلاه ليسا إلّا مثالين سريعين لما يجري في كوكب المؤثرين والمؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا. لكن، منذ أشهر، ثمة عدد كبير من المؤثرين/ات في فرنسا تحت الضوء، إلا أنه ليس بالشكل الاعتيادي. بل حرب لا تبدو نهايتها قريبة. اتّهامات وشهادات لمتابعين، عن عمليات نصب واحتيال تعرضوا لها من خلال بيعهم منتجات تجارية، أو دعوتهم إلى الاستثمار في مواقع مشبوهة. كلّ هذا ينتج عنه مراكمة ثروات في أوساط المؤثرين/ات.
منذ سنوات، والأسئلة تتراكم حول هذا العالم، أي حول مهنة "التأثير الاجتماعي" القائمة على مراكمة متابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتأثير عليهم. قبل أشهر، أطلق مغني الراب الفرنسي، إيلي يافا، المعروف باسم بوبا، الحرب على المؤثرين/ات الذين تجمعهم بدايات موحّدة؛ أي أولئك القادمين من عالم تلفزيون الواقع في فرنسا. نجح تلفزيون الواقع في صناعة عدد من النجوم على مواقع التواصل الاجتماعي. يكفي الانخراط في واحد من البرامج الكثيرة المعروضة على شاشات التلفزيون، ليصير المرء "مؤثراً" أو نجماً على مواقع التواصل. عالمان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً. انتقل أغلبية هؤلاء للعيش في دبي، ولا يترددون للحظة في إظهار الثراء الذي يسبحون فيه. تحوم الشُبهات حول كثير منهم، وهي مدار أسئلة الفرنسيين منذ سنوات. هذا يعود إلى أسباب كثيرة، لكنّ أبرز الاعتراضات تتمحور حول تأثير هؤلاء على المراهقين والشباب، سواء عبر خلق عوالم وهميّة والترويج للثراء، كأمر سهل وبسيط، أو التشجيع على الاستهلاك المُفرط.
المعركة التي فتحها المغني بوبا تركّزت على ماغالي بيردا وهي مؤسسة شركة شونا التي تُعرّف عن نفسها بأنّها "أوّل مؤسسة للمؤثرين في فرنسا". تعمل بيردا في هذه الصناعة، أي صناعة صورة المؤثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإدارة الأعمال التجارية الخاصة بهم وغيرها. وبينما تختلف المصادر في تحديد السبب الرئيسي لشرارة انطلاق هذه الحرب، فإنّ النتيجة هي ما تهمّ. ملفات كثيرة تخرج تباعاً إلى العلن، بشكل كثّف التساؤلات حول هذه المهنة وحول مصدر هذه الأرباح الطائلة. كما أنّها حرّكت القضاء الفرنسي، ودفعت بوزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لو مير، إلى الحديث عن عمليات النصب عبر الإنترنت.
هنا، نتساءل: كيف حدثت عمليات الاحتيال التي يضجّ بها الاعلام الفرنسي اليوم؟ يتعرّض الملايين من متابعي هؤلاء "المؤثرين" إلى منتجات تجارية على مدار اليوم، ومنذ سنوات. استعراض منتجات عبر خاصية الـ ستوريز، مُرفقةً بحديث "المؤثر" عن فوائد المنتج وأهميته وقدرته على تغيير الحياة. هنا لا نحكي عن أنواع منتجات محدّدة أو ماركات عالمية. بل الأمر متروك للخيال. قد يكون إعلاناً لسماعات الهاتف، تماماً كما قد يكون إعلاناً لمستحضرات تجميلية أو ملابس قطنية. كبسة زر واحدة تكفي لشراء المنتج. لكن، ومع إطلاق بوبا حربه على بيردا، وأغلب العاملين تحت ظلّها من مؤثرين ومؤثرات، خرج المستور إلى العلن، بفجاجة وبكثافة بشكل جعلته موضوعاً لحلقات تلفزيونية كثيرة وصحف فرنسية مهمة.
تتنوّع الطرق المُعتمدة، ولكن النتيجة واحدة: خسارة الناس لأموالهم. يروّج هؤلاء للمنتجات عبر استخدام نظام الـ"دروب شيبينغ". وهي تجارة إلكترونية تسمح لأي شخص بالتجارة الخاصة عبر الإنترنت، من دون الحاجة إلى امتلاك منتج خاص به، أو حتى رأسمال كبير. يعرضون منتجات، من دون تجريبها أو معرفة مصدرها أو جودتها، ويسوّقون لها على أنها المُنتج السحري وبأسعار تفوق سعرها الأصلي. المؤثرون/ات هم في هذه الحالة وسطاء، لمنتجات غير معروفة المصدر أو الشركة، يحققون الأرباح من هامش اختلاف السعر، ومن ثقة المتابعين بهم. تحكي الشهادات عن بيع منتجات بأسعار تفوق بدرجتها الثمن الأصلي، على سبيل المثال، بيع كريم للوجه بثلاثين يورو، بينما سعره على موقع البائع الأصلي لا يتجاوز الخمسة يوروهات، عدا عن عدم استلام المنتج الذي تمّ شراؤه، وعدم الحصول على ردّ واضح أو اختفاء الموقع الذي تمّ الشراء عن طريقه، أو استلام مُنتج بغير المواصفات التي سوّق لها المؤثر عبر "إنستغرام".
أبواب جهنم التي فتحها المغني بوبا حوّلت أنظار الجميع إلى هذه الصناعة. ودفع بيردا، مؤسسة الشركة، التي يتركّز الهجوم عليها، إلى رفع دعاوى قضائية والخروج إلى الإعلام باكيةً، والقول إنّ ما يحصل هدفه تدميرها بشكل شخصي، وإنّ الأخطاء تحصل، خصوصاً أنّ "المهنة" جديدة وتحتاج إلى التنظيم. أمّا محامي الأخيرة، فأخذ الأمر إلى أبعاد أخرى وهي معاداة السامية، مُعتبراً أنّ الهجوم على بيردا سببه أصولها اليهودية وأنّها سيدة أعمال ناجحة. لكن، ولتأكيد المؤكّد، أعلن بوبا عن جمع شهادات ضحايا عمليات النصب، من خلال الكتابة إلى عنوان بريد إلكتروني مخصّص. محامي بوبا يتحدّث عن ملف يكبر، يوماً بعد يوم، بعد جمع شهادات ومعطيات كثيرة، تؤكّد عمليات النصب عبر الإنترنت.