استمع إلى الملخص
- يطرح الفيلم تساؤلات حول كفاية الأفكار مثل النسوية والمحرقة النازية، ويعاني من تكرار الأفكار، مما يجعله يبدو كعمل يهدف لتسويق أفكار معينة بدلاً من تقديم قصة مثيرة.
- يعتمد الفيلم على تقنية "الفلاش باك"، ويكشف أن السيرة الذاتية للي ميلر هي من خيالات ابنها، مما يضيف بُعدًا خياليًا ويؤدي إلى شعور المشاهدين بالملل.
ليس سهلاً تصنيف باكورة أفلام المُصوّرة السينمائية الأميركية إلِنْ كوراس (1959) بوصفها مخرجة، بسيناريو "لي (Lee)"، الذي كتبه جون كولّي وليز هانا وماريون هيوم، عن السيرة الذاتية لإليزابيث "لي" ميلر (1907 ـ 1977)، التي رواها أنتوني بَنْروز (1947) بعد وفاتها (صدرت عام 1988)، وباتت فيلماً عام 2023، بدأ عرضه عام 2024 بعنوان "لي".
فيلم سيرة ذاتية، أو قصة نجاح، ونسويّ أيضاً، يضع موضوع حقوق المرأة في أولوياته. فيلمٌ حربي وتاريخي، تتشربك أصنافه الأربعة بعضها ببعض، فتصنع شريطاً مرتبك التداخل، إذْ يصعب تحديد أي صنف يحمل بؤرة الدراما الرئيسية، وأيها دراما فرعية أو موازية. هذا الخليط يمنحه ميزة الفوضوية، التي لا تقف عند اختلاط الأزمنة بفيلمٍ تاريخي، عند انجداله مع الدراما والأحداث، فالانتقال من زمن إلى آخر لا يبدو مُدرَكاً، كما الانتقال من حدثٍ إلى آخر.
لا تبدو الأحداث مُبرَّرة كفاية، إضافة إلى عدم الإفصاح عن سيرورة العلاقات بين الشخصيات، أو إنهائها. هذا ينسحب على شخصية لي ميلر (كايت وينسلت)، التي تبدو ملمومة من نماذج عدّة مُشاهدَة سابقاً، وملصوقة بتنافر غير مريح. هذا أظهر أداء الممثلة مُتردّداً، عكس أداءاتها في معظم شغلها: مُندفعة وغارقة في تفاصيل الشخصية، مع تحكّم شديد الانضباط بأدوات التمثيل. ربما كانت وينسلت في "لي" سبباً أول للإقبال عليه، إذْ يكفي المتلقّي أنْ يتلذّذ بشغلها، ليُقرّر مشاهدة أي عمل تختاره، وهذا تعبير واضح عن الثقة بخياراتها الفنية. لكن، لا تُعرف الظروف التي قادتها إلى هذا الخيار، الذي أنزل أداءها إلى مستوى أدنى مما اعتدناه.
مع تهافت قيمة حِرفية أفلام هذه الأيام، يُطرح تساؤل: هل يكفي أنْ نأتي بفكرة عن النسوية المندفعة حالياً، أو عن المحرقة النازية، ولصقهما معاً، وافتراض أنّ هناك حكاية يمكن تحويلها إلى فيلم درامي؟ هذا لا يكفي، بسبب قسر الحكاية على النطق بدعاية للفكرة. فكيف لو كانت أكثر من فكرة، يجب التعبير عنها حكائياً؟ وكيف إذا كانت الأفكار مُكرّرة إلى حدّ الاجترار والملل؟
يبدو "لي" فيلم أفكار مطلوب تسويقها، لا فيلم حكايات للاستمتاع بمشاهدتها. إنّه يقع في هذا المَطبّ، إذْ لا سببيّة تربط فصول الحكاية، ولا أزمنتها. كأنّ الحكاية التقاطات إخبارية عن تحوّلات مزاجيّة مفاجئة للي ميلر، المرأة العابثة والمهتمّة باللهو والتسلية فقط، التي يُعجَب أحدهم بلقطات صوّرتها بكاميرتها، وعرضتها على مجلة الأزياء المشهورة "فوغ (Vogue)"، لقناعتها الشخصية بأنّ هذه الصُوَر الفوتوغرافية تستحق النشر، من دون أي سبب، أو استعراض لهذه المهارة والانشغال بها. لاحقاً، تتحوّل بالطريقة نفسها إلى مراسلة حربية على خطوط القتال الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، فتتحوّل مُجدّداً إلى معادية للنازية، وتصوّر بشاعاتها، لتغدو الحكاية جديرة بالسرد مرة أخرى، وتبدو الشخصية شبيهة وسائل شرح وإيضاح تعليمية، يمكن استخدامها من دون نفاد الحاجة إليها. في هذا، ابتعادٌ حقيقي عن الإدهاش الإبداعي، وعن سرور المُشاهَدة.
يعتمد "لي" صيغة "فلاش باك"، المُتداولة بين صنّاع الأفلام. لكنْ، ما يُكتَشف أنّ هذه الصيغة ليست من صُنع لي ميلر، بل من صُنع ابنها أنتوني بَنْروز، الصحافي الزاعم إجراء مقابلة معها عن ذكرياتها وسيرة حياتها. المفاجأة تحصل في النهاية: لي ميلر غير موجودة في المقابلة، كما في مُقدّمة الفيلم، وابنها وحده يتذكّرها، إذْ صاغ خيالاته عنها بطريقته الخاصة. فإضافةً إلى كون سيرتها الحياتية مكتوبة بعد وفاتها، ما حصل عليه رواية احتمالية لهذه السيرة، أو صوغ حكاية تعتمد أفكار الراوي وخيالاته عن الشخصية الأصلية.
هذا فيلمٌ مُخلص لمموّليه، أكثر من إخلاصه لمُشاهديه، بالنسبة إلى إستعادة دروس تأكيدية عن النسوية، ومعاداة النازية. هذه مرّت تكراراً مُمضاً على المُشاهدين، خاصة عندما لا تكون له حكاية درامية واضحة ومُحدّدة، فيضمن تكرار البديهيات إطلاقه قريباً.