لماذا نشعر بالراحة عند تناول بعض الأطعمة؟

03 يناير 2021
مفهوم الطعام المريح ليس مفهوماً عالمياً، بل يعبّر عن واقع إلى حد بعيد (Getty)
+ الخط -

ثمة تفسيرات علمية تشرح لنا سبب رغبتنا في تناول الطعام عندما نكون في مزاج سيئ، أو عندما نشعر بالضيق. وهناك اسم لذلك في بعض اللغات، إذ يُطلق عليه اسم "الطعام المريح". وقد يختلف ذلك من ثقافة إلى أخرى، ومن شخص أو عائلة أو جيل إلى آخر.

ويورد تقرير شبكة "بي بي سي" شرح قاموس أوكسفورد لعبارة "الطعام المريح" بأنه "طعام يوفر الشعور بالسعادة، وعادة ما يحتوي على نسبة عالية من السكر، أو الكربوهيدرات، ويرتبط بذكريات الطفولة أو الطهو المنزلي".

تقول جيني لينفورد، المتخصصة في الكتابة عن التغذية، بما في ذلك أحد الكتب الذي يحتوي على اختيارات أكثر من 70 طاهياً مشهوراً من جميع أنحاء العالم، إنّ "تناول أطعمة بعينها يُشعرنا بالارتياح". ووفقاً لها، فإن مفهوم الطعام المريح ليس مفهوماً عالمياً. "إنه يعبّر عن واقع إلى حد بعيد".

بغضّ النظر عما إذا كان مفهوم "الطعام المريح" عالمياً أو لا، يبدو أن الأطعمة التي نُقبل عليها، التماساً للراحة، تحتوي على خصائص مشتركة، فهي تميل إلى أن تكون غنيّة بالكربوهيدرات، أو الدهون، أو السكر.

يقول لوكاس فان أودنهوف، أستاذ الطب النفسي المساعد في جامعة لوفين في بلجيكا: "إن التطور يؤدي دوراً في هوسنا بالأطعمة الدسمة".

ويضيف أودنهوف الذي يدرس التفاعل بين الأمعاء والأدمغة: "في الماضي، كانت الأطعمة، وخاصة الدسمة والسكرية، نادرة، ولهذا السبب دفعتنا عملية التطور إلى تناول تلك الأطعمة بقوة".

ويتطلع أودنهوف إلى معرفة ما إذا كان للدهون تأثير بعواطفنا، رغم أننا لا نستطيع استساغتها، وحتى في بعض الأحيان قد لا نعرف أننا نتناولها.

ويوضح بأن "ما قمنا به في البحث، وضع أنبوب تغذية في معدة بعض الأشخاص عبر أنوفهم، ما سمح لنا بإعطائهم كمية من الدهون أو من الماء، لكن دون أن يدركوا أن ما أعطيناهم كان ماءً أو دهوناً". ووجدوا من خلال البحث، أن الدهون جعلت الناس أقل حزناً، عندما وضعهم الباحثون في أجواء حزينة.

تعدّ الدهون مصدراً جيداً للطاقة ومُلطّفاً للشعور بالجوع (Getty)

وتعدّ الدهون مصدراً جيداً للطاقة ومُلطّفاً للشعور بالجوع. فعندما نتناول الدهون يُطلق الدماغ "مواد كيميائية تثير الشعور بالسعادة"، ما يشجع على البحث عنها وتناولها مرة أخرى.

الشيء نفسه يكمن وراء ولَعنا بالكربوهيدرات، والأطعمة الغنية بالسكر. تدرس شيرا غابرييل، الأستاذة المساعدة في جامعة ولاية نيويورك في بوفالو بالولايات المتحدة، ارتباطنا العاطفي بالطعام. ووفقاً لها، ترتبط علاقتنا ببعض الأطعمة بالتجارب الإيجابية المتفائلة التي مررنا بها.

وتقول: "نظراً لأن هذه هي الأطعمة التي تناولتها في شبابي، فقد ربطتها بمشاعر جيدة، وهذه الارتباطات قوية، تماماً كما أن روابطنا بالطعام قوية جداً".

تشرح غابرييل ذلك بالقول: "لأنه عندما تناولنا تلك الأطعمة في ذلك الوقت بمزاج متفائل وإيجابية، قمنا بترميز تلك المعلومات وتخزينها. وما يحدث في تلك الحالة تخزين للحدث بأجوائه ومحيطه، وليس فقط للطعام المأكول. تماماً كأن تتناول طبقاً شهياً من المعكرونة، في جو أو طقس أحببته".

بعض الأطعمة التي توفر الشعور بالسعادة تحتوي على نسبة عالية من السكر، وترتبط بذكريات الطفولة (Getty)

وتتابع غابرييل: "عندما تتناول الطعام، لا يحفّز ذلك ذاكرتك فحسب، بل أيضاً المشاعر التي انتابتك، مثل الحب والشعور بالأمان والرضى".

لكن هل يمكن أن يكون تناول الطعام المريح ضاراً؟ الجواب بحسب شيرا غابرييل: "نعم بالتأكيد". وتوضّح قائلة: "لسوء الحظ، ينجذب الناس إلى الأطعمة المريحة، حتى عندما لا تحقق لهم الآثار الإيجابية".

وبغضّ النظر عن المشكلات الصحية المرتبطة بالأطعمة المريحة، كالإصابة بالسمنة والسكري وأمراض أخرى - تنتج من تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو السكر بشكل منتظم - ثمة شعور بالذنب أيضاً، غالباً نشعر به بعد تناول الأطعمة التي لم نرغب أو نقصد تناولها دون أي شعور بالجوع.

هل يمكن أن يكون تناول الطعام المريح ضاراً؟ الجواب بحسب باحثة "نعم بالتأكيد"

وأظهرت أبحاث غابرييل أن تناول طعام مريح لا يجعل الجميع يشعرون بتحسُّن، فقد يشعر بعضهم بالغضب أو الندم. وقد يقول أحدهم لنفسه: "ماذا دهاني؟ لماذا كل هذه الشراهة؟".

لكن غابرييل تستدرك قائلة: "من المهم أن نتذكر أن أدمغتنا تهتم بنا بطريقة جميلة حقاً". وتوضّح أنّ "عقولنا تجد طريقة ما لإحداث ارتباط إيجابي، وتجبرنا على تناول هذا الطعام للقيام بذلك".

وتظهر الأبحاث أن الشعور بالذنب يبدو أكثر شيوعاً بين النساء منه بين الرجال. وتوصلت دراسة استقصائية أجرتها جامعة كورنيل عام 2005 على حوالى 300 شخص، أن الرجال يميلون إلى تناول الأطعمة المريحة كمكافأة، بينما اعتبرت النساء أن تناول الأطعمة المريحة ضَعف يورث الشعور بالذنب.

يمكننا الوصول للشعور بالراحة عبر أشياء أخرى كالمطالعة والموسيقى (Getty)
يمكننا الوصول إلى الشعور بالراحة عبر أشياء أخرى كالمطالعة والموسيقى (Getty)

ويحذر فان أودنهوف أيضاً من أن آثار الأطعمة المريحة قصيرة العمر، وأن الاعتماد عليها كثيراً قد يجعلنا في الواقع غير سعداء على المدى البعيد، من خلال إحداث اضطرابات في المزاج كالاكتئاب مثلاً.

وبدأ العلماء في الآونة الأخيرة بالربط بين الأمور بعضها ببعض. ومن النظريات التي حظيت باهتمام كبير أخيراً، نظرية تربط البدانة بالالتهابات.

بدائل مناسبة

قد يعني الإغلاق العام بسبب انتشار فيروس كورونا، أننا بتنا نلجأ إلى وسائل الراحة في كثير من الأحيان. لكن غابرييل تقول إنه يمكننا الوصول إلى الشعور بالراحة عبر العديد من الأشياء الأخرى غير الأطعمة، كمطالعة كتاب أو تقليب ألبوم من الصور.

ثمة شعور بالذنب غالباً نشعر به بعد تناول الأطعمة التي لم نرغب أو نقصد تناولها دون أي شعور بالجوع

ولكن إذا كنت تبحث عن طعام، فإن فان أودينهوف يقترح عليك تجربة الأطعمة الغنية بالألياف. والسبب أن الألياف تغذي ملايين البكتيريا في الأمعاء الغليظة، التي بدورها تفرز مستقلبات لا تقلّل الالتهاب فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الدماغ بطرق مختلفة.

ونشر أودنهوف دراسة في هذا الصدد الشهر الماضي، ووجد أن المتطوعين الذين أُعطوا حبوباً تحتوي على هذه المستقلبات أظهروا تحملاً أعلى للتوتر بمرور أسبوع، مقارنة بمن تناولوا دواءً وهمياً.

المساهمون