كيف يؤثر الاحتلال في تغطية شبكة سي أن أن العدوان على غزة؟

05 يناير 2024
تعرضت القناة الأميركية لانتقادات واسعة بسبب انحيازها للاحتلال (Getty)
+ الخط -

كشف موقع ذا إنترسبت، في تقريرٍ صادرٍ الخميس، عن التأثيرات الإسرائيلية على تغطية شبكة سي أن أن الأميركية العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.

وتتبع "سي أن أن" سياسة تحريرية صارمة منذ وقتٍ طويل، تفرض على صحافييها أينما كانوا أن يرسلوا تقاريرهم المتعلقة بالصراع بين دولة الاحتلال والفلسطينيين إلى مكتبها في القدس بغرض مراجعتها قبل النشر.

وفيما ترى إدارة المؤسسة في ذلك ضماناً للدقة في إعداد التقرير حول صراع يثير الكثير من الانقسام في الولايات المتحدة ودول الغرب، لفت "ذا إنترسبت" إلى أنّ ذلك يعني أن جزءاً كبيراً من تغطيتها العدوان الحالي على غزة جرت صياغتها وتأطيرها بمقص الرقابة العسكرية المفروضة في دولة الاحتلال.

في ظلّ الرقيب

مثل جميع المؤسسات الإخبارية الأجنبية العاملة في دولة الاحتلال، يخضع مكتب "سي أن أن" في القدس للقواعد التي تفرضها رقابة الجيش الإسرائيلي، التي تحدّد المواضيع المسموح بتغطيتها، كما تمنع أو تحذف مقالات تراها غير آمنة. كذلك، يفرض على المراسلين الأجانب، الراغبين بالحصول على تصاريح لممارسة عملهم الصحافي، التوقيع على وثيقة يقرّون فيها بالتزامهم بقوانين الرقابة.

وكان "ذا إنترسبت" قد كشف في ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي أن الرقابة العسكرية قيّدت النشر حول ثمانية مواضيع، منها اجتماعات مجلس الوزراء الأمني والمعلومات حول الرهائن.

إصرار المؤسسة على توجيه تقاريرها إلى مكتب القدس يتناقض مع ما تفعله وسائل إعلام كبرى أخرى، التي كانت في الماضي تنشر تقارير عن الصراع عبر مكاتبها الموجودة خارج دولة الاحتلال لتجنب ضغوط الرقابة.

كذلك، أصدرت الشبكة مؤخراً توجيهاً لموظفيها حول العبارات واللغة المسموح باستخدامها عند الحديث عن الحرب على قطاع غزة. إضافةً إلى ذلك، عيّنت "سي أن أن" جنديةً سابقةً من وحدة المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي للعمل مراسلةً في مطلع العدوان.

وقال أحد العاملين في "سي أن أن"، رفض الكشف عن اسمه، لـ"ذا إنترسبت"، إنّ سياسة مراجعة التقارير عبر مكتب القدس كان لها "تأثير واضح" على تغطية الشبكة العدوان على غزة. وأضاف: "كل سطر يتعلق بإسرائيل وفلسطين يجب أن يحصل على موافقة مكتب القدس، وغالباً ما يجرى تحرير سطور قليلة بهدف تفضيل الروايات والسردية الإسرائيلية".

وأشار متحدث باسم الشبكة إلى أنّ سياسة "سي أن أن" هذه تطبق منذ سنوات، نافياً خضوعها للرقابة الإسرائيلية، وقال: "نحن لا نشارك نسخاً من تقاريرنا مع الرقابة العسكرية الإسرائيلية أو أي جهة حكومية أخرى".

في الحقيقة، تحكم علاقة متوترة رقابة جيش الاحتلال بالصحافة المحلية والأجنبية، إذ كثيراً ما يمارس الصحافيون رقابة ذاتية خوفاً من التطرق إلى مواضيع محظورة، خشية فقدان تصريحات العمل الصحافي والخوف من إجبارهم على تقديم اعتذار علني. هذا عدا عن أن "سي أن أن"، مثل غيرها من شبكات البث الأميركية، وافقت على تقديم اللقطات المسجلة في غزة إلى الرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل عرضها للجمهور.

وقال الناشط والمحرر الصحافي جيم نوريكاس إن فريق "سي أن أن" في القدس "يضمّ الأشخاص الأقرب إلى الحكومة الإسرائيلية”، مشيراً إلى أنّ "من الخطير منح حكومة تستهدف الصحافيين بعنف لقمع وصول المعلومات دوراً في تحديد ما يعرض من أخبار".

معايير منحازة للاحتلال

في 16 أكتوبر الماضي، أرسل قسم المعايير والممارسات الإخبارية في شبكة سي أن أن بريداً إلكترونياً إلى الموظفين يوضح قواعد الكتابة عن العدوان على غزة، التي تدعو، على سبيل المثال عند الإشارة إلى تقارير وزارة الصحة في غزة، إلى وصفها بأنّها "خاضعة لسيطرة حماس".

كذلك، شدّدت الرسالة على الحاجة إلى "تغطية السياق الجيوسياسي والتاريخي الأوسع الحالي للقصة" مع الاستمرار في "تذكير جمهورنا بالسبب المباشر لهذه الحرب". الصراع الحالي، وتحديدا هجوم حماس والقتل الجماعي واختطاف المدنيين الإسرائيليين. كما طالبت المراسلين والمحررين أن "يوضحوا لجمهورنا ما إذا كان أحد الجانبين أو كلاهما قد قدم أدلة يمكن التحقق منها لدعم ادعاءاتهم".

وفي رسالة أخرى في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّر المدير الأوّل للمعايير والممارسات الإخبارية ديفيد ليندسي المراسلين من نقل تصريحات قادة حركة حماس، معتبراً أنّها "دعائية وتحريضية" و"لا تستحق النشر". أضاف أنه "إذا قام مسؤول كبير في حماس بتقديم ادعاء أو تهديد ذي صلة من الناحية التحريرية، فيمكننا استخدامه إذا كان مصحوباً بسياق أكبر".

وبحسب "ذا إنترسبت"، تعكس لغة التوجيهات أوامر مماثلة من إدارة شبكة سي أن أن في بداية الحرب على أفغانستان عام 2001، عندما أمر رئيسها آنذاك، والتر إيزاكسون، المراسلين بالتقليل من شأن الوفيات بين المدنيين، وتذكير الجمهور بأن العنف الذي يرونه كانت نتيجة مباشرة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

توظيف جندية سابقة

وفي أكتوبر الماضي، عيّنت الشبكة الأميركية جندية سابقة في جيش الاحتلال للمساهمة في الكتابة وإعداد التقارير لتغطية العدوان على غزّة.

وظهر اسم الجندية السابقة تمار ميخائيليس على عشرات المقالات منذ 17 أكتوبر الماضي، تنقل فيها معلومات عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وتستند بشكل شبه كامل إلى التقارير الرسمية الصادرة عن قوات الاحتلال.

ولفت "ذا إنترسبت" إلى أن صفحة ميخائيليس على "فيسبوك" تكشف أنّها عملت في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وأنّها عملت في قسم من الجيش مكلّف بالعلاقات العامة وتحسين صورة إسرائيل في الخارج.

وحذفت ميخائيليس حسابها على "فيسبوك"، ورفضت الردّ على طلبات التعليق التي أرسلها الموقع إليها. فيما لفت المتحدث باسم "سي أن أن" إلى أنّ الجندية السابقة عملت "صحافية مستقلة معنا بضعة أشهر خلال العام الماضي، وفقاً لنفس القواعد التي تحكم تعاوننا مع أي صحافي مستقل آخر".

برنامج خاص لمراجعة التقارير

في يوليو/ تمّوز الماضي، وسّعت الشبكة فريق مراجعة التقارير المرتبطة بدولة الاحتلال وفلسطين، وأنشأت برنامجاً حمل اسم Jerusalem SecondEyes لتسريع آلية المراجعة.

وقال رئيس مكتب القدس ريتشارد غرين، في رسالة للموظفين، إن هذه السياسة موجودة "لأن كل ما نكتبه أو نبثه عن إسرائيل أو الفلسطينيين يخضع للتدقيق من قبل جميع الأطراف". وتابع: "يهدف مكتب القدس إلى أن يكون شبكة أمان حتى لا نستخدم لغة أو كلمات غير دقيقة قد تبدو محايدة، ولكن يمكن أن تكون لها معانٍ مشفرة هنا".

فيما قال المتحدث باسم الشبكة إن "برنامج Jerusalem SecondEyes أنشأ لجعل عملية المراجعة سريعة قدر الإمكان، بالإضافة إلى جلب المزيد من الخبراء لتوظيفهم على مدار اليوم".

من جهته، قال صحافي في "سي أن أن"، رفض الكشف عن اسمه، إنّ وصف ما يجري في غزة باستعمال "عبارات مثل جريمة حرب وإبادة جماعية محظورة".

وأضاف: "يعلن عن القصف الإسرائيلي في غزة على أنه انفجارات، إلى أن يقرر الجيش الإسرائيلي قبول المسؤولية أو إنكارها. كما تجرى الموافقة بسرعة على التصريحات والمعلومات المقدمة من المسؤولين والجيش الإسرائيلي، في حين أن تلك الواردة من الفلسطينيين تخضع للتدقيق الشديد وتجرى مراجعتها ببطء".

المساهمون