رصدت دراسة جديدة الظروف البيئية التي بنيت فيها أهرامات الجيزة، عن طريق استخدام السجلات المناخية خلال الفترة الرطبة الأفريقية (AHP)، في الفترة ما بين 14800 و5500 عام، بالإضافة إلى حبوب اللقاح المستخرجة من السهول الفيضية التي كانت تضم فرعا بائداً من نهر النيل.
وفقاً لنتائج الدراسة التي نشرت في 29 أغسطس/آب في Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، استغل المهندسون المصريون القدماء فرعاً بائداً من نهر النيل، لنقل مواد البناء والمؤن إلى هضبة الجيزة، حيث مشروع بناء الأهرامات خلال فترة حكم الأسرة الرابعة من الدولة القديمة.
يعد بناء أهرامات الجيزة العظيمة في مصر منذ قرابة 4500 عام أحد أعظم إنجازات العالم القديم. وكان أحد أهم الأسئلة والألغاز المتعلقة ببناء هذا الصرح الكبير، هو كيف تمكن المصريون القدماء في العصور السحيقة من نقل تلك الصخور الضخمة إلى موقع البناء على هضبة الجيزة؟
تلفت الدراسة إلى أن نهر النيل كان له الفضل الكبير في نقل هذه الحجارة. يقع المجرى الرئيسي لنهر النيل حالياً على بعد ثمانية كيلومترات من الأهرامات، وهي مسافة كبيرة إذا كنت تسحب كميات هائلة من الأحجار الضخمة عبر رمال الصحراء قبل آلاف السنين. يبلغ ارتفاع الهرم الأكبر في الجيزة، هرم خوفو، 146.6 متراً، ويتألف من أكثر من 2.3 مليون كتلة حجرية كبيرة تزن 6 ملايين طن في مجموعها.
وقال الباحثون، إنه قبل أكثر من 4000 عام، كانت توجد قناة مائية بمثابة ذراع غربية لنهر النيل، عُرفت هذه القناة باسم فرع خوفو، عُثر على آثارها خلف موقع أهرامات الجيزة.
منذ فترة طويلة، يشتبه في أن فرع خوفو كان الوريد الحيوي لمصر القديمة، إذ ساعد عمالها على نقل المواد إلى الأهرامات من أماكن أخرى. تمكن الفريق من الحصول على تاريخ مفصل لهذا القسم من النهر، عن طريق حبوب اللقاح المستخرجة من السهول الفيضية. من خلال تتبع نمو وزوال أكثر من 61 نوعاً نباتياً مختلفاً على طول سهل الفيضان، أظهروا ارتفاع وانخفاض مستويات المياه في فروع النهر على مدى 8000 عام من التاريخ المصري القديم.
يقول كريستوف مورانج، أستاذ الجيومورفولوجيا في جامعة إيكس مرسيليا، وكبير مؤلفي الدراسة، إن النتائج تتجاوز معرفة أصل هذه الآثار الضخمة؛ إذ إنها أيضاً تتناول بصمات الإنسان على البيئة وأهمية دراسة تاريخ المناظر الطبيعية. ويوضح أن صعود وسقوط الإمبراطورية المصرية القديمة كان مرتبطاً بالتغيرات في مستويات نهر النيل. ويلفت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية معرفة المسار التاريخي، وكيف يمكن للبيئة أن توجه إمبراطورية مزدهرة مثل المملكة القديمة في مصر، بالإضافة إلى دراسة العلاقة بين التغير البيئي وانهيار الإمبراطورية، وهو ما يساعدنا في فهم ما إذا كنا نريد مواجهة تحدياتنا البيئية الحالية والمستقبلية.
أظهرت نتائج الدراسة أن مياه فرع خوفو ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأفريقية الرطبة التي امتدت من 14800 عام مضت وحتى 5500 عام ماضية. ومع ذلك، يبدو أن مستويات المياه في فرع خوفو كانت مرتفعة نسبياً لبعض الوقت بعد الفترة الرطبة الأفريقية، ما سمح للنهر بالبقاء صالحاً للملاحة، حتى بني هرم الجيزة الأكبر -هرم خوفو- منذ قرابة 4500 عام.
ويرجح المؤلفون أنه في مرحلة ما، من الممكن أن تكون هذه الذراع المفقودة للنيل قد وصلت إلى تمثال أبو الهول في الجيزة. وفي حين أنه من الواضح أن فرع خوفو على نهر النيل كان من الممكن أن يساعد في نقل مواد البناء بالقرب من مجمع أهرامات الجيزة، إلا أن العديد من التفاصيل الأخرى حول بناء الأهرامات لا يزال غير مؤكد.