كيف تدخّل فريق إسرائيلي وشركة بريطانية في انتخابات نيجيريا؟

18 فبراير 2023
لم ينجح الطرفان في ضمان إعادة انتخاب غودلاك جوناثان عام 2015 (أوتومي إكبي/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل أربعة أسابيع من انتخابات رئاسية محورية في نيجيريا، كان عميل إسرائيلي من القطاع الخاص، متخصص في "العمليات السوداء" السياسية، يستعد للتوجه إلى هذا البلد الأفريقي. في 17 يناير/كانون الثاني من عام 2015، أرسل هذا العميل، الذي استخدم اسم "خورخي" بريداً إلكترونياً إلى شركة الاستشارات السياسية البريطانية كامبريدج أناليتكا التي كان ينسق معها خطة للتلاعب بالديمقراطية الأكبر في أفريقيا.

وجاء في هذه الرسالة الإلكترونية: "مرحباً يا أصدقاء. سأكون على الأرض اعتباراً من يوم غد، وسأمضي بضعة أيام... مَن هو الأفضل لمقابلته هناك؟ الأفضل ألا تكون شخصية عليها أضواء مسلطة، لأننا قدِمنا بتأشيرة خاصة، ونحن نراقب عن كثب (وهذا جزء من خطتنا) على كل حال، نريد أن نفهم الوضع الحالي بشكل أفضل، وتحسين خططنا للتواصل والتنسيق. نريد أن ندير عبركم عدداً من الأمور... الرجاء تزويدنا باسم الشخصية الأفضل لمقابلتها، وما منصبها، ومعلومات الاتصال الخاصة بها".

كان "خورخي" يعمل بشكل منفصل مع "كامبريدج أناليتكا". لكن مجموعته كانت تنسق وتعمل جنباً إلى جنب مع شركة الاستشارات السياسية البريطانية التي شاركت في مهمة سرية، للمساعدة في إعادة انتخاب رئيس نيجيريا آنذاك غودلاك جوناثان.

وكشفت مجموعة من الصحافيين الاستقصائيين العاملين في مشروع فوربيدن ستوريز، الأربعاء، هوية "خورخي"، وهو رجل الأعمال الإسرائيلي طال حنان الذي يملك علاقات مع أجهزة الاستخبارات ويعمل مع حكومات أجنبية. تبيّن أن حنان واحد من المسؤولين في الشركة التي أطلق عليها الصحافيون اسم "فريق خورخي"، وهي مؤلفة من أعضاء سابقين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ولم يُحدّد التحقيق الاستقصائي القيّمين الماليين عليها. تظاهر ثلاثة صحافيين من مجموعة "فوربيدن ستوريز"، هم صحافي من إذاعة فرنسا وآخر من صحيفة هآرتس الإسرائيلية وثالث من صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية، بأنهم زبائن محتملون للشركة، من أجل جمع معلومات حول "فريق خورخي" على مدى أشهر.

تدخّل الفريق الإسرائيلي في 33 حملة انتخابية على المستوى الرئاسي، ثلثاها في دول أفريقية ناطقة بالإنكليزية والفرنسية، ونجحت 27 منها.

وفقاً للتحقيق الاستقصائي الذي أجرته مجموعة من الصحافيين من 30 مؤسسة إعلامية، بينها "ذا غارديان" البريطانية و"لوموند" الفرنسية و"دير شبيغل" الألمانية و"إل باييس" الإسبانية، تحت إدارة المنظمة غير الحكومية فوربيدن ستوريز، جاء الرد على رسالة حنان المذكورة أعلاه من قبل بريتني كايزر، وهي موظفة شابة في "كامبريدج أناليتكا" برزت لاحقاً في فيلم "نتفليكس" الوثائقي The Great Hack حول فضيحة استيلاء الشركة على بيانات مستخدمي "فيسبوك".

ذكرت في رسالتها اسم الرئيس التنفيذي لـ"كامبريدج أناليتكا" ألكسندر نيكس وعدداً من الشركاء الداخليين والخارجيين الذين سينسقون مع بعضهم بعضاً من أجل إعادة انتخاب غودلاك جوناثان، وتشويه سمعة منافسه زعيم المعارضة آنذاك محمد بخاري. لم يتوصل الصحافيون إلى ما يفيد بأن جوناثان كان على علم بمحاولات "كامبريدج أناليتكا" و"فريق خورخي" الفاشلة لإعادة انتخابه.

لكن الرسائل الإلكترونية التي اطلعوا عليها تكشف الأساليب السرية التي استخدمت في تعزيز حظوظه الانتخابية، وطرق التنسيق التي اعتمدها فريقان متخصصان في فنون الإقناع السياسي عبر اجتماعات عقدت في لندن ومنتجع دافوس السويسري والعاصمة النيجيرية أبوجا. أجريت الاتصالات عبر حسابات Hushmail المشفرة، أو عبر أجهزة خاصة لإجراء مكالمات هاتفية آمنة. كانت "ذا غارديان" قد كشفت، عام 2018، أن مقاولاً إسرائيلياً زوّد موظفي "كامبريدج أناليتكا"، العاملين في الانتخابات النيجيرية، بمواد سرية سرقت على ما يبدو من حملة بخاري. نوقش تقرير الصحيفة لاحقاً بإسهاب خلال تحقيق برلماني بريطاني. هوية المقاول الإسرائيلي ظلت مجهولة، حتى يوم الأربعاء الماضي.

نشرت المؤسسات الصحافية المشاركة في التحقيق لقطات لطال حنان وهو يستعرض أمام الصحافيين المتخفين قدرته على السيطرة على أنظمة المراسلات للعديد من المسؤولين الأفارقة رفيعي المستوى، من أجل إثبات فعالية إحدى أدواته. قال للصحافيين الذين تظاهروا أنهم زبائن: "نحن داخل الحسابات". ورأوا حسابَين على "جيميل" Gmail وحساباً على "غوغل درايف" Google Drive وقائمة بجهات الاتصال ومجموعة حسابات على "تيلغرام". وأفاد التحقيق الاستقصائي بأن العميل الإسرائيل، بمجرد اختراقه للأنظمة، تمكّن من انتحال شخصية مالك الحساب لإجراء اتصالات مع جهات اتصاله، وأرسل رسائل إلى معارف الضحايا من حسابات تلغرام التي اخترقها. بهذا، تستطيع الشركة أن تقوم بالتأثير والضغط على صناع قرار أو صحافيين نيابة عن عملائها.

ضمن ما عرضه حنان على الصحافيين صورة لنساء مسلمات يجلسن خارج مركز اقتراع نيجيري. وقال إن فريقه ضمن نشر قصة عن استبعاد النساء من مركز الاقتراع، و"خلق فضيحة كبيرة". وأضاف: "لقد أجّلوا الانتخابات، وهذا كان هدفنا".

الانتخابات الرئاسية النيجيرية التي كان من المقرر إجراؤها في 14 فبراير/شباط 2015 تأجل موعدها فعلاً لستة أسابيع، بسبب مخاوف أمنية مزعومة إزاء تمرد "بوكو حرام". أعلنت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة لنيجيريا عن التأخير في 8 فبراير من ذلك العام. أشارت إحدى رسائل البريد الإلكتروني المسربة بين حنان و"كامبريدج أناليتكا" إلى أنه كان على معرفة مسبقة بشأن التأجيل. كتب في 7 فبراير، قبل يوم من الإعلان الرسمي، قائلاً: "تلقيت مؤشرات قوية على أن الانتخابات لن تجري في الرابع عشر من الشهر، وأن هناك خططاً لتأجيلها"، وأضاف أن المعلومات جاءته من "أعلى مستوى". ونبّه قائلاً: "كونوا حذرين من تداول الخبر".

بينت رسائل البريد الإلكتروني الأخرى أن "فريق خورخي" أنتج فيديوهات على "يوتيوب" لدعم حملة جوناثان، وشاركها مع "كامبريدج أناليتكا" التي بدورها طلبت من الشركة الإسرائيلية المساعدة في الترويج لمقاطع الفيديو الخاصة بها على المنصة نفسها.

اضطرت شركة كامبريدج أناليتكا التي عملت لصالح حملة دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 إلى الإقفال عام 2018، وسط تداعيات الكشف عن استيلائها على بيانات 87 مليون مستخدم لـ"فيسبوك" واستغلالها سياسياً.

ووفقاً للتحقيق الاستقصائي، فإن "فريق خورخي" و"كامبريدج أناليتكا" ليسا الجهتين الوحيدتين اللتين سعتا عام 2015 للمساعدة في إعادة انتخاب جوناثان.

في أفريقيا أيضاً، أكّد موقع مشروع "فوربيدن ستوريز" أنه "خلال صيف 2022، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الكينية، أصبح خورخي مهتماً على شبكات التواصل الاجتماعي بالحسابات التابعة للرئيس المستقبلي وليام روتو" وللعضوَين في فريق حملته دينيس إيتومبي وديفيس تشيرشير.

ولفت الموقع الاستقصائي إلى أن الشركة طوّرت "منذ 6 أعوام منصة رقمية" باسم "إيمز" AIMS تسمح لها بخلق حسابات مزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي وتشغيلها وتحريكها لتبدو حقيقية. ووفقاً لموقع إذاعة فرنسا، ففي "بداية عام 2023، كان النظام يشغّل 39213 حساباً مزيفاً مختلفاً يمكن تصفّحها في ما يشبه الفهرس. هناك صور رمزية من جميع الأعراق والجنسيات والأجناس، منهم من هو أعزب أو مرتبط... وجوهها هي صور لأشخاص حقيقيين مستمدة من الإنترنت، وألقابها هي عبارة عن مزيج من آلاف الألقاب والأسماء المخزنة في قاعدة بيانات". وأشار الصحافيون إلى أن الشركة تلجأ أيضًا إلى التجسس على شخصيات بارزة، من خلال التنصت عليهم أو قرصنة حساباتهم.

"فوربيدن ستوريز" شبكة صحافيين استقصائيين تأسست عام 2017، بهدف مواصلة عمل صحافيين آخرين مهدّدين أو مسجونين أو مقتولين. عام 2021، أثارت هذه الشبكة فضيحة برنامج التجسس بيغاسوس الذي تطوّره شركة الهايتك والبرمجية الإسرائيلية إن إس أو NSO.

المساهمون