15 نوفمبر 2021
+ الخط -

في قصر هشام في مدينة أريحا، شرق الضفة الغربية، أحد القصور الأموية الذي بني في عام 743 في بادية الشام، أو القصور الصحراوية، يعيد الفلسطينيون افتتاح لوحة فسيفسائية، يرجح أنها من بين الأكبر في العالم، بعد عمل ترميم مكثف استمر خمس سنوات، ما بين فريقين فلسطيني وياباني، ما يلفت أنظار السياح على الصعيدين الداخلي والخارجي، إلى أقدم مدينة في العالم، لإعادة زيارتها، أو التوقف عند معلم تاريخي وفني بديع في قصر هشام بن عبد الملك.
للزائر فُسحة تخيل ما كان قبل مئات السنوات الماضية في مجلس الخلفاء الأمويين، تحديداً هشام بن عبد الملك، وإذا ما دخل الزائر هذا القصر من البوابة الرئيسية، يجد النافورة الكبيرة، ثم يتجه يساراً لمنطقة النجمة، التي كانت تمثل إحدى النوافذ لمكان إقامة الخليفة في الطابق الثاني من القصر المقام على طابقين، ثم ممر لمنطقة تسمى الحمام الكبير وقاعة الاستقبال، التي تضم أرضية الفسيفساء، التي تشكل اللوحة الكبيرة بمساحة 827 متراً مربعاً، وكانت أرضية مجلس الخليفة.

(عصام ريماوي/الأناضول)

تضم الأرضية 38 سجادة فسيفسائية منفردة، وملايين أحجار الفسيفساء الجميلة، تتراءى للناظر بألوان زاهية، كالأحمر، وهو حجر القدس، والحجر الأبيض من حجر الخليل جنوب الضفة الغربية، وقرية جماعين في نابلس شمال الضفة الغربية، واللون الأسود من حجر منطقة النبي موسى في أريحا، وألوان الأخضر والأزرق وتدرجاتها، بالإضافة إلى تدرجات اللون البني.
أغلب أحجار الفسيفساء التي شكلت مساحة اللوحة، تقع على حجم سنتمتر طولاً ومثله عرضاً، الأمر الذي يسهل التحكم من أجل عكس الرسومات والأوجه خاصة، وتحتاج تغطية مساحة متر مربع قرابة 10 آلاف حجر من مقاس السنتمتر، لكن بعض الأحجار تصل إلى 5 أو 6 ميلمترات، وغالبها تقع بالقرب من رسومات شجرة الحياة.

(عصام ريماوي/الأناضول)

يوضح مدير مديرية السياحة والآثار في مدينة أريحا، إياد حمدان، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن أكثر من 50 فنياً ومهندساً، من الفريقين الياباني والفلسطيني، عملوا على المشروع، ورمموا الأجزاء المهدمة من الأرضية، بالإضافة إلى عمل تغطية، أو بناء سقف لحفظ الأرضية من التلف، بفعل ارتفاع درجات الحرارة، كون أريحا مدينة صحراوية حرارتها حارقة صيفاً، ولحماية اللوحة الكبيرة من مياه الأمطار.
تقترن الأهمية التاريخية للوحة الكبيرة في قصر هشام بموقعها؛ إذ تضم في زاويتها الشمالية الغربية شجرة الحياة "شجرة البرتقال"، الممثلة بالفسيفساء على الأرضية في ديوان الخليفة ومجلسه، وأسفلها رسومات فسيفسائية لغزالين يرمزان للسلام.

(عصام ريماوي/الأناضول)

بينما نجد أسداً في سجادة أُخرى يهاجم غزالاً، لبيان العلاقة الرمزية والضدية بين الحرب والسلام، والحياة والتعارك عليها، كما يحضر الأسد في أشكال أُخرى بقوة، لتشير إلى قوة الخليفة وعظمة الدولة الأموية في حينه، كما انعكست مكونات الطبيعة الفلسطينية في الفترة الأموية وربما البيزنطية على الرسومات، كون بعض الرسومات الفسيفسائية تعود أيضاً للحقبة البيزنطية، إذ نجد نباتات الخشخاش على الأرضية الكبيرة، والأشكال الهندسية المتعددة، وإحدى الدوائر المركزية التي تقع أسفل قبة الحمام مباشرة، قاعة الاستقبال أو مجلس الخليفة، بحسب مدير السياحة والآثار الفلسطينية في أريحا، إياد حمدان.
يقول حمدان: "من أبرز اللوحات أو السجادات المشكلة للوحة هي لوحة الإشعاع وهي على شكل شمس أو إشعاع ضوئي من الداخل للخارج، ولوحة التقابل الهندسي مربعات تقابلها مثلثات، وأغلب ما تعكسه هذه الرسومات مرتبطة بالحياة في تلك المنطقة، مثل لوحة المائدة وفيها شكل السكين والملعقة، وكانت زخارف موجودة بالأصل من الفترة البيزنطية".
وصلت تكلفة مشروع ترميم هذه اللوحة الفسيفسائية الكبيرة إلى قرابة 12 مليون دولار، ممولة من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا". وتؤكد وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن افتتاح اللوحة الفسيفسائية الكبيرة من شأنه زيادة عدد السياح بنسبة تتخطى المئة بالمئة. وستساهم بلفت النظر التاريخي والسياحي لقصر هشام الواقع على طابقين، ويضم نافورة ضخمة وبوابات رئيسة، وغرفًا للتخزين، وغرفًا للإسطبلات والحراس، والحمام البارد الذي يحتوي على أرضية فسيفسائية أُخرى، ويُعرف عن هذا القصر تميزه بلوحاته الفسيفسائية، وتماثيله المختلفة والزخارف الجصية، وكانت هناك نافورة مركزية أمام ساحة الخليفة في مجلسه.

المساهمون