يسود القلق الأوساط الإعلامية في الجزائر بعد إعلان قرب إغلاق صحيفة " ليبرتي" التقدمية خلال أيام بقرار من مالكها رجل الأعمال يسعد ربراب، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصدور.
ويرفض الصحافيون القرار، ويعتبرون أنه غير مفهوم، في الوقت الذي تتهدد فيه الأوضاع المالية صحفاً أخرى تُعد رموزاً ثابتة في المشهد الإعلامي منذ بداية التسعينيات في الجزائر.
وعبر صحافيو "ليبرتي" وموظفوها عن رفضهم لأي قرار يتخذه مالك الصحيفة ومجلس الإدارة بإغلاق الصحيفة والحل النهائي للشركة التي تصدرها.
وقال بيان صحافي نشره موظفو المؤسسة: "لقد علمنا بدهشة أن المساهم الأكبر في الصحيفة، يسعد ربراب، قد اتخذ قراراً بإغلاق الصحيفة، وأنه من المقرر عقد اجتماع عام قبل السادس من أبريل لاتخاذ القرار غير المتوقع، في الوقت الذي بدأت فيه الصحيفة سلسلة إجراءات تهدف إلى استعادة الوضع الاقتصادي للشركة".
وذكر البيان أن "خطة إعادة هيكلة الصحيفة واستعادة توازنها تضمنت تنفيذ خطة اجتماعية وافتتاح موقع إلكتروني جديد، وعلاوة على ذلك، لا يزال لدى شركة النشر موارد مالية كافية لتمكينها من الاستمرار في الوجود".
وتابع البيان أن ""ليبرتي" ما تزال كشركة وكصحيفة قابلة للحياة، لذلك يبدو قرار إغلاقها غير مفهوم، ولا الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى قرار إغلاق الصحيفة".
وأبلغ الصحافيون أنهم طلبوا مقابلة وفد منهم لرجل الأعمال يسعد ربراب، لعرض بدائل عن قرار إغلاق الصحيفة، لكن دون جدوى، ما يعرّض الجريدة اليومية للاختفاء من الأكشاك في غضون أيام قليلة.
واعتبروا أنه "بالنسبة للبلد ولقوى التقدم، فإن بقاء هذه الصحيفة ضروري. إلى جانب اختفاء عنوان رمزي وعواقبه على حالة الصحافيين والعاملين فيه".
وكانت صحيفة "ليبرتي" قد بدأت في الصدور في يونيو/حزيران 1992، وتبنّت خطاً تقدمياً وحداثياً، خاصة في ظروف الأزمة الأمنية العصيبة التي شهدتها الجزائر في التسعينيات.
وبسبب خطها الافتتاحي المناهض لـ"التيار الإسلامي" والتشدد، ودّعت الصحيفة أربعة من الصحافيين العاملين فيها، كما تعرضت لتعليق الصدور في بعض المرات والمناسبات بسبب مواقفها من السلطة أيضاً.
وعبّرت قوى سياسية تقدمية عن قلقها من قرار إغلاق صحيفة "ليبرتي"، ومن البطالة التي تتهدد مجموع صحافييها وعمّالها.
وأكد القيادي في حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عثمان معزوز، في بيان له باسم الحزب: "بالنسبة للعديد من الجزائريين ولقوى التقدم والحرية، فإن اختفاء هذا العنوان الرمزي من المشهد الإعلامي هو أمر غير مقبول وغير عادل في بلد يطمح فيه ملايين المواطنين إلى الحرية".
فيما اعتبر حزب "العمّال"، في رسالة وجهها إلى ربراب، أن "صحيفة "ليبرتي" هي ملك لكل أولئك الذين يتطلعون لصحافة نزيهة، وذات مصداقية على المستويين الوطني والدولي، وتعد إحدى الصحف التي تمت معاقبتها بسبب احتفاظها باستقلاليتها، والتي كانت سبباً كافياً لحرمانها كلياً من الإشهار العمومي (الإعلانات الحكومية)".
وأكد الحزب أنه "يرفض تصديق فرضية نقص التمويل لغلق الصحيفة"، وطالب بكشف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء التهديد باختفائها الوشيك.
ويملك صحيفة "ليبرتي" رجل الأعمال يسعد ربراب، الذي كان قد تعرض للاعتقال لفترة أشهر على ذمة قضايا فساد وتهرب من الضرائب وتضخيم فواتير.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن قرار ربراب بإغلاق الصحيفة مرتبط بكونها باتت بمواقفها وخطها الافتتاحي المعارض عائقاً رئيسياً في طريق تسوية وضعيته مع السلطة وإنقاذ مشاريعه، خاصة وأن الرئيس، عبد المجيد تبون، قد وجّه في مناسبات أخيرة انتقادات حادة إلى "ليبرتي" بسبب تقارير وصور نشرتها، اعتبرها الرئيس "تحريضية وتضليلاً".
وفي السياق، تعاني صحف أخرى جاءت إلى المشهد الإعلامي في نفس الظروف في بداية التسعينيات، ومباشرة بعد إقرار التعددية السياسية والحق في إنشاء الصحف المستقلة بعد إقرار دستور فبراير/شباط 1989، من نفس الظروف الصعبة التي قد تدفع بها إلى التواري عن المشهد الإعلامي.
من هذه الصحف صحيفة "الوطن" التي تعاني من شح الموارد من الإعلانات الحكومية، بسبب منع السلطات عنها ذلك، نتيجة لمواقفها وخطها الافتتاحي، بالإضافة إلى صحيفة "الخبر"، كبرى الصحف الصادرة باللغة العربية في الجزائر، وهو وضع قد يدفع إدارة الصحيفتين إلى تطبيق خطة إنقاذ هيكلي داخلي.
وتواجه هذه الصحف إخفاقاً في خطط التحول إلى الإعلام الجديد، وعدم تطوير منصاتها الإلكترونية.
لكن أيضاً هناك مؤشرات كثيرة تؤكد وجود رغبة لدى السلطة في التخلص مما تعرف في الجزائر بـ"صحافة التسعينيات"، التي وُلدت مباشرة بعد إقرار التعددية السياسية ورافقت مسارات الأزمة الأمنية الدامية في البلاد. ويبرز هذا من خلال منع السلطة الإعلانات العمومية عن هذه الصحف، على الرغم من تجربتها ومصداقيتها، بينما تستفيد صحف حديثة من تدفق هذه الإعلانات.