قانون الإعلام المصري: الخناق يضيق على الصحافيين

21 مارس 2022
تطاول التعديلات 20 بنداً من قانون الإعلام (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -

حذر صحافيون ونقابيون سابقون وحاليون من تعديلات تُصاغ منذ فترة على بعض مواد قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، في مصر. قانون تنظيم الصحافة والإعلام صدر بعد نقاشات استمرت لأكثر من 3 سنوات، ويتضمن عدداً من القواعد التي تنظم عمل وسائل الإعلام بصورها المختلفة. يعطي القانون صلاحيات واسعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تسمح له بفرض أشكال مختلفة من الرقابة على وسائل الإعلام، والمواقع والصفحات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.
بدأت التحذيرات أولًا من منطلق إعداد تلك التعديلات في "غرف مغلقة" من دون مناقشة مجتمعية، تكون فيها نقابة الصحافيين المصرية طرفًا أصيلًا، ومن دون إشراك الجماعة الصحافية في إعدادها. وبحسب مراقبين، فإن التعديلات ستطاول نحو 20 مادة من بنود القانون الحالي، وسيدفع بها عبر المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، والقيادات الصحافية داخل مجلس الشورى، فضلًا عن بعض الرموز الصحافية والإعلامية الموالية للنظام.
تأتي هذه المعلومات المؤكدة، بالتزامن مع تنسيق يدور بين مجلس الشيوخ والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لإعداد مشروع قانون خاص بضبط محتوى النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، يستهدف "إطلاق حملة توعية مجتمعية بدور وسائل الإعلام بهدف تبصير المجتمع بكيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي".
وكان النائب عمرو عزت، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب، قد تقدم باقتراح خاص بـ"أهمية تطوير مدونات السلوك المنظمة للعمل الإعلامي لمواكبة التطورات والمستجدات، مع التوسع في التعريف بما تتضمنه مثل هذه المدونات من قواعد وضوابط حاكمة قادرة على ردع كل المخالفين، ومنظمة للأداء الإعلامي، ومانعة لكل تجاوز ومخالفة"، في ضوء ما وصفه بـ"الاستهداف المستمر للدولة المصرية".
تعديلات من المؤكد أنها ستلقى اعتراضات بالجملة داخل الجماعة الصحافية والحقوقية في مصر، لأنها تأتي على مواد قانون مرفوضة أساسًا، إذ إنها تحد بشكل كبير من الحريات الصحافية والإعلامية وتقيد النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

التعديلات ستلقى اعتراضات بالجملة داخل الجماعة الصحافية والحقوقية في مصر

والملاحظ خلال السنوات الأربع الماضية توجه السلطات المصرية، تشريعيةً وتنفيذيةً وقضائيةً، إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والانتهاكات جميعها متعلقة باستخدام الإنترنت في التعبير، الهدف منها محاولة تطويقه والحد من التهديدات السياسية الناتجة من خلاله، عن طريق توجيه المستخدمين بتلك الإجراءات إلى خلق رقابة ذاتية تُشكَّل بنوع من الخوف نابعٍ من التعرض لانتهاكات جسيمة، والتي تتعدد وجوهها، حسب تقرير رصدي لأوضاع حالة حرية التعبير  في مصر على مدار عام 2021، حمل عنوان "تجفيف منابع الحرية".
التقرير نفسه أشار إلى استهداف الأجهزة الأمنية ناشطين ومعارضين وحتى مواطنين عاديين على خلفية تدوينات على مواقع التواصل وبشكل عشوائي في أغلبية الوقائع، بالإضافة إلى عملية تقليل حجم المعلومات المتاحة خارج الرواية الرسمية بحجب مئات من المواقع الإلكترونية، خاصة الصحافية منها، كما كثَّفت السلطة التشريعية ممثلةً في البرلمان إصدار عدد من التشريعات المتعلقة باستخدام الإنترنت والتعامل مع مستخدميه وعلى رأسها قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 وقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، وزادته خلال عام 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي، وجميعها تضع قيودًا على استخدام الإنترنت ويجري استخدامها في استهداف مستخدمين على خلفية سياسية. بالإضافة إلى ذلك، وعقب تعيينه نائبًا عامًّا في سبتمبر/ أيلول 2019، نشط المستشار حمادة الصاوي في استهداف مستخدمي الإنترنت، وليس فقط على خلفية سياسية بل قاد حملة لاستهداف مستخدمين للإنترنت يقدمون محتوى ترى النيابة العامة أنه يهدد أخلاق الأسرة المصرية، وكان الهدف من كل تلك الإجراءات خلال الأربع سنوات الماضية هو محاولة تعميم حدود رقابية لتقليل حجم المحتوى غير المرغوب فيه، حسبما جاء في التقرير.
وكان عام 2021 مثالًا واضحًا على تكثيف الإجراءات القمعية ووضع مزيد من القيود على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم في الفضاء الإلكتروني للوصول إلى هدفها في محاصرة المحتوى غير المرغوب فيه، حيث تتصدر الحقوق الرقمية قائمة الملفات الأكثر انتهاكًا بين ملفات حرية التعبير للعام الثاني على التوالي بواقع 70 انتهاكًا على الأقل سجلتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
كما أكد تقرير آخر صادر عن مبادرة مسار الحقوقية المعنية بالحقوق الرقمية والحريات، بعنوان "الحجب أداة رقابة مستقرة في التشريعات المصرية"، أن السلطات التشريعية في مصر عمدت إلى ترسيخ الحجب كأداة قانونية مستقرة نشأت وتطورت في السنوات العشر الأخيرة، التي أظهرت رغبة مُلِحة لدى المشرع لتضمين قواعد الحجب في صور مختلفة. 
وحسب التقرير نفسه، فقد تأخذ قواعد الحجب شكل التدابير الاحترازية أو تظهر في صورة عقوبة إدارية تُوقَّع على منصة النشر، وفي أحيان أخرى نجدها لا تُفهَّم إلا في سياق كونها عقوبة جماعية للمستخدمين عمومًا. هذه الرغبة المُلِحة في تضمين قواعد الحجب في تشريعات مختلفة، واكبها الحرص على أن يكون الحجب صلاحية لدى جهات متعددة تم توزيعها وتقاسمها لدى السلطات والجهات المختلفة، وإن اختلفت الأسباب والدوافع، حيث تملك صلاحية الحجب الجهات الشرطية المختصة، والنيابة العامة والجهات القضائية المختلفة، وكذلك بعض المجالس والهيئات، مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

وكان البرلمان المصري قد أصدر القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تُعطي المادة السابعة منه سلطة حجب مواقع الوب لجهات التحقيق بعد أخذ موافقة من المحكمة، بالإضافة إلى إعطاء جهات التحري والضبط (جهاز الشرطة) سلطة إخطار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحجب مؤقت للمواقع في حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، وتستخدم هذه المادة ألفاظا فضفاضة عديدة على أثرها يمكن حجب المواقع، مثل: الأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر.
ثم أصدر البرلمان أيضاً القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، والذي أعطى للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الجهة المنوط بها تنظيم قطاع الإعلام في مصر) سلطة حجب مواقع الوب للعديد من الأسباب، منها نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.
ولا يقتصر تطبيق نص المادة على الوسائل الإعلامية فقط، حيث يُمكن تطبيقها على كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.
يُذكر أن هناك عددًا من الدعاوى التي أقامتها منظمات حقوقية ومنصات صحافية وإعلامية ضد تلك القوانين.

المساهمون