في رحيل شيرين سيف النصر: جمال وطاقة لكن الحظ سيئ

في رحيل شيرين سيف النصر: جمال وطاقة لكن الحظ سيئ

15 ابريل 2024
تعاونت الراحلة مع فنانين مثل عادل إمام وأحمد زكي وفريد شوقي (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شيرين سيف النصر، الممثلة المصرية، تركت إرثًا فنيًا غنيًا بالأعمال المتنوعة في السينما، التلفزيون، والمسرح، وتعاونت مع كبار الفنانين مثل عادل إمام وأحمد زكي، متميزة بأداء أدوار تجمع بين الكوميديا والدراما.
- في "سوّاق الهانم"، قدمت دور الابنة المدللة بواقعية، مسلطة الضوء على تحولات المجتمع المصري والعلاقات الأسرية والطبقية قبل ثورة الضباط الأحرار.
- واجهت تحديات بحصولها على أدوار ثانوية في السينما لكنها برزت في التلفزيون والمسرح، مخلفةً وراءها فراغًا في الساحة الفنية لكن بإرث يشهد على مسيرتها الفنية الغنية.

شيوع نبأ رحيلها، في 13 إبريل/نيسان 2024، يُذكّر أولاً بـ"سوّاق الهانم" (1994) لحسن إبراهيم. التذكير هذا ذاتي أكثر من كونه نقدياً، ففيه تُبرز الممثلة شيرين سيف النصر بعض جمالٍ في أداءٍ، يقول إنّها متمكّنةٌ من تمثيل أدوار تمزج الكوميديّ بالدرامي، بسلاسة غير مانعةٍ تبيان حيوية إخراج ما في الشخصية من انفعال وتفاصيل وبُنى.

الفيلم نفسه، الذي يُصبح أوّل وآخر فيلمٍ "كوميدي" لعادل أدهم، المُبدع في أدوار الشرّ بتنوّعاته، يجمع أحمد زكي وسناء جميل بممدوح وافي وصابرين وعبلة كامل، ويتسلّل إلى زمن سابق على "ثورة الضباط الأحرار" (23 يوليو/تموز 1952)، من خلال شخصية أمّ متسلّطة تُصرّ على أنّ الملك فاروق عائد، ويغوص في أحوال عائلة وطبقة اجتماعية وأنماط علاقات ثنائية وجماعية، في راهنٍ غير مُحدَّد زمنه، وغير مهمّ تحديد زمنه وتوضيحه، فالنواة الدرامية أهمّ، لانشغالها بقراءة نماذج فردية، كلّ نموذج منها يكاد يعكس حالة وبيئة وتفكيراً، وآلية عيش وعلاقات.

فيه، تؤدّي شيرين سيف النصر دور الابنة المدلّلة، التي تُغرم بالسائق الجديد (زكي)، المرتبط عاطفياً بجارته (كامل). دلالٌ تُتقن سيف النصر إظهار معالمه من دون ادّعاء أو تجاوز لواقعيّته، وغرامٌ منبثقٌ من الدلال نفسه، المترافق وسلوك ابنة عائلة يُفترض بها أنْ تكون ثرية أو بورجوازية، قبل أنْ تُسلَخ من حياتها السابقة على "الثورة"، فيعجز جيل الملكية فيها عن التأقلم مع المرحلة اللاحقة، ويهيم الجيل التالي في تعقيدات حياة مضطربة وغير مُريحة، فالابن (وافي) يوهم الخادمة (صابرين) بحبّ، مع أنّه طامعٌ بجسدٍ وإشباع نزوة لا أكثر، والأب (أدهم) منصرفٌ عن سطوة الزوجة ـ الأم إلى الزهور، التي يتفنّن في العناية بها، غير مكترثٍ ببيعها. أمّا السائق، فيتورّط سريعاً في حلّ مشاكل وأعطاب، بأسلوب كوميدي رائع.

سيف النصر، التي تبتعد عن السينما إلّا نادراً، تجد في الأعمال التلفزيونية مكاناً أفضل لها، والمسرحُ إطلالةٌ أوسع، تُفيدها شعبية عادل إمام، تحديداً. جمالها آسر، ورغم هذا تنصرف الكاميرا السينمائية عنها، وإنْ تقترب فلمنحها أدواراً إلى جانب نجومٍ، بدلاً من تلبية ما لديها من طاقة تمثيلية، تحتاج إلى صقل بسبب ندرة الأفلام.

إمام نفسه يُرافقها في "أمير الظلام" (2002) لرامي إمام، من دون أنْ يتمكّن "الزعيم" من أداء يتوافق وتاريخٍ له مليء بجمالياتٍ، يفقدها في أفلامٍ تُصنع في أعوامٍ قليلة ماضية. مع أحمد زكي، تبدو سيف النصر أقدر على أداءٍ، يُخرج ما لديها من طاقة بهيّة. لكنّها مع إمام، خاصة في مرحلة تراجع القِيَم الفنية والجمالية والدرامية والفكرية في أفلامه الأخيرة، غير متمكّنةٍ من إبراز ما لديها.

هذا حاصلٌ أيضاً في "النوم في العسل" (1996) لشريف عرفة. مع أنّ عرفة - إمام، والكاتب وحيد حامد، يصنعون نتاجاً، سيكون مرآة شفّافة وقاسية وصادقة لواقع حياتي مُسرف في بؤس وقهر وانكسارات وخيبات وتحدّيات: "اللعب مع الكبار" (1991)، و"الإرهاب والكباب" (1992)، و"المنسي" (1993)، و"طيور الظلام" (1995)، والأخير بداية انحدارٍ سينمائي لإمام وعرفة تحديداً.

أيكون حضور شيرين سيف النصر في أفلامٍ قليلة تلبية لمفهوم الدور الثاني، الذي يحتاج إليه "بطل ـ بطلة" الدور الأول؟ أيمكن وصف أدوارها السينمائية القليلة بهذا المفهوم، مع صعوبة تأكيده، فالحضور يكاد يكون هامشياً، والسطوة لنجومٍ، ولسناء جميل، مثلاً، حضور أقوى وأعمق وأكثر تأثيراً؟ أمّا النجوم، فغير محصورين بأحمد زكي وعادل إمام فقط، إذْ هناك فريد شوقي أيضاً، في "سفينة الحبّ والعذاب" (1993) لحسن الصيفي، الموصوف (الفيلم) بالدراميّ: جريمة قتل واتهام وسجن، واعتناء بأمّ، وحبّ خفي، ومسائل تُفكِّك شيئاً من اجتماع وعلاقات بشرية.

أميل إلى قول مفاده أنّ حظّاً سيئاً تعانيه شيرين سيف النصر في السينما. امتلاكها جمالاً في الشكل غير حاجبٍ ما تمتلكه من مفردات التمثيل، ومفردات بينها تعكس براعةً وطاقةً وقدرات، لن يتسنّى لها، في عمرها القصير نسبياً (مولودة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1967)، إظهارها بشكل أفضل. التمثيل إلى جانب "كبار" تمرينٌ، يُفترض به تطوير الأصل الذي يمتلكه الممثل - الممثلة في بداية المسار، كما يُفترض بالـ"كبار" إبداء مرونة وتسهيل ودعم لآخرين وأخريات. لسيف النصر أصل تمثيلي يتّضح، وإنْ مواربة، في أدوار سينمائية مختلفة.

ربما لهذا تكتفي بقليلٍ، والقليل السينمائي متفاوت الأهمية والجماليات. ربما لهذا تنعزل، فالمهنة قاسية، والحياة كذلك.

المساهمون