فيليب غريب... من النهر إلى البحر بالضوء

فيليب غريب... من النهر إلى البحر بالضوء

20 مارس 2024
من تظاهرة تضامنية في نيويورك (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أوربانغلاس، مؤسسة فنية في نيويورك، ألغت معرضها السنوي بعد انسحاب فنانين احتجاجاً على استبعاد عمل فيليب غريب الداعم لفلسطين.
- فيليب غريب قدم عملاً بأضواء النيون يدعم فلسطين، مما أثار جدلاً وأدى لانسحاب 16 فناناً وإقامة معرض بديل "جسيمات أساسية" في مانهاتن.
- الجدل يبرز قضايا الرقابة الفنية والتعتيم على القضية الفلسطينية، مع تسليط الضوء على القمع الممنهج للأصوات الداعمة لفلسطين.

أوربانغلاس (UrbanGlass) هي مؤسسة أميركية معنية بالتجارب الإبداعية في مجال الزجاج. بدأت المؤسسة عملها في مدينة نيويورك، عام 1977، بمجموعة صغيرة من الفنانين المهتمين بالممارسات الفنية المرتبطة بخامة الزجاج. تضم المؤسسة حالياً ورشاً فنية لأكثر من 200 فنان، وقسماً تعليمياً يستوعب ما يزيد عن الـ500 من طلبة الفنون، تشرف عليه مجموعة من الفنانين المحترفين.
في كل عام، تنظم المؤسسة في مقرّها معرضاً سنوياً للفنانين المنتسبين إليها. وكان من المقرر هذا العام أن يُنظم المعرض في بداية شهر مارس/آذار الحالي، غير أن المؤسسة قررت إلغاء معرضها السنوي قبل أيام من موعده. ألغي معرض أوربانغلاس بعد انسحاب معظم الفنانين المشاركين فيه لاعتراضهم على سحب المؤسسة أحد الأعمال المشاركة بسبب محتواه الداعم لفلسطين. العمل المُشار إليه للفنان الفلسطيني الأميركي فيليب غريب وهو أحد المدربين في القسم التعليمي في مؤسسة أوربانغلاس.
كان فيليب غريب قد قدم نموذجاً للعمل بالفعل، كما يقول، قبل بدء تنفيذه، من دون أن يواجه أي اعتراض، لكنه فوجئ قبل أيام قليلة من إقامة المعرض بتدخل مجلس إدارة المؤسسة في بعض التفاصيل المتعلقة بالعمل. وحين أبدى الفنان تمسكه بالمحتوى الذي قدمه، أُبلغ باستبعاد عمله من العرض. تضامناً مع غريب، سحب 16 فناناً من المشاركين أعمالهم، ما اضطر المؤسسة إلى إلغاء المعرض. لم يكتف الفنانون المنسحبون بإعلان انسحابهم وحسب، بل أعلنوا أيضاً نيتهم إقامة المعرض في مكان آخر. افتتح هذا المعرض بالفعل أخيراً في 6 مارس الحالي داخل إحدى المساحات الفنية في مدينة مانهاتن، تحت عنوان "جسيمات أساسية" (Fundamental Particles)، ويستمر حتى الـ21 من مارس.
عمل الفنان الفلسطيني فيليب غريب الذي أثار هذا الجدل تضمن بعض العبارات الإنكليزية المكتوبة بأضواء النيون، بينها عبارة "من النهر إلى البحر". تضمن العمل أيضاً عبارة "إذا كان يجب أن أموت، فيجب أن تعيش"، وهي مقطع من قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل رفعت العرعير. وكان الأخير قد كتب هذه القصيدة قبل شهر من استشهاده في غارة إسرائيلية على منزله في ديسمبر/كانون الأول الماضي. برر مجلس إدارة المؤسسة استبعاد عمل الفنان الفلسطيني بتخوفهم من أن تُفسر عبارة "من النهر إلى البحر" التي يتضمنها العمل بأنها دعوة إلى العنف.
على صفحته على "إنستغرام"، قال غريب إن الشعار الذي أثار مخاوف مجلس الإدارة هو شعار احتجاجي ظهر في الستينيات من القرن الماضي، ويرمز للدعوة إلى تحرير الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي. يرى الفنان أن الهجوم الواسع على هذا الشعار في وسائل الإعلام الغربية يعكس قمعاً لجهود الفلسطينيين من أجل الحرية. يعتقد الفنان أن هذه الرقابة التي تفرضها المؤسسات الفنية تأتي في إطار التعتيم الممنهج على معاناة الفلسطينيين، في الوقت الذي يجرى فيه التذكير المستمر بالمحرقة اليهودية.
وفي حين تُبدي هذه المؤسسات الفنية والسياسيون تعاطفهم الدائم مع اليهود بسبب المحرقة والإبادة النازية، نراهم صامتين أمام الإبادة الجماعية التي تحدث أمام أعينهم في قطاع غزة. يقول غريب إن مُقاومة الاحتلال أمر واجب وليس إرهاباً.
أما بخصوص العمل المرفوض، فقد أوضح فيليب غريب على صفحته أنه قد حاول مراراً شرح هذه العبارات الواردة في العمل لمجلس الإدارة، غير أنهم أصروا على استبعاده، كما يقول، بحجة أنه ليس الوقت المناسب لعرض مثل هذه الآراء. يتساءل الفنان مندهشاً في منشوره على "إنستغرام": "كم عدد الفلسطينيين الذين يجب أن يموتوا حتى يصبح الأمر مناسباً؟"، معبّراً عن خيبة أمله بسبب هذه الرقابة المفروضة على الأصوات الداعمة لفلسطين. يقول غريب إن "الفن هو وسيلتي الوحيدة للتعبير، وحتى هذه الوسيلة الوحيدة التي أملكها تجرى مصادرتها".
تضامن مع الفنان الفلسطيني عدد من الفنانين والمتابعين، فتساءلت الفنانة هان دونغ، وهي زميلة غريب في مؤسسة أوربانغلاس، عن الوقت المناسب "الذي يجب أن نبدي فيه تضامننا مع الشعب الفلسطيني".

حول العالم
التحديثات الحية

كما أبدت دونغ دهشتها من شعور المؤسسات بالقلق من شعار يدعو إلى الحرية، في حين يلوذون بالصمت أمام الجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب يومياً في حق الفلسطينيين، وبأسلحة دُفع ثمنها من ضرائب الأميركيين.
أبدت إحدى المتابعات تضامنها مع غريب معتبرة أن هذا الأمر هو تذكير بالدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الفن في مُقاومة القمع والاحتلال، وكيف يمكن أن يتحدى الفن الواقع، ويقول الحقيقة للسلطة، ما يُفسّر خوف المؤسسات من قول الحقيقة. أبدى مُتابع آخر دهشته من هذه الرقابة التي تفرضها مؤسسة فنية، وهي المنوط بها تشجيع الفنانين على التعبير، وليس قمعهم أو إسكاتهم.

المساهمون