فيلم "بيل": الجميلة والوحش في العصر الحديث

02 نوفمبر 2021
يقدم المخرج شخصيات نسائية بعيدة عن تلك النمطية (Imdb)
+ الخط -

"تريلر" مبهر بصرياً، وتصفيق استمر 14 دقيقة في مهرجان كان. بلا شك، حصل فيلم الأنمي، Belle للمخرج مامورو هوسودا، على ترويج هائل، يجعله يصل إلى جماهير مختلفة، بعيداً عن جمهور الأنمي فقط، مثله مثل أفلام ديزني واستوديو غيبلي، وأفلام ساتوشي، كونها التي استفاد هوسودا منها جميعاً في فيلمه الجديد! يحكي بيل قصة فتاة خجولة، تدعى سوزو، تقرّر دخول العالم الافتراضي البديل، وهو نوع متطوّر من وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يتم أخذ البيانات العقلية للشخص ليحصل على أفاتار خاص به، تبعاً لبياناته الشخصية والروحية. ولا يتحكم الشخص بشكل الأفاتار الخاص به. الأفاتار هو عبارة عن صورة لروح المستخدم، أفكاره، وتجاربه وكل ما يشكله. بالتالي؛ فإن ما يُعاش في هذا العالم البديل ليس هروباً أو خيالاً، إنما جزء من التجربة الحياتية.
تستخدم سوزو اسم بيل للدخول إلى هذا العالم الافتراضي، المليء بالشخصيات التي تتخفّى تحت أفاتارات وأسماء مستعارة. وتفاجأ بأن شخصيتها لها شكل جميل جداً، وصوت رائع، يجعلها شهيرةً جداً في ذلك العالم، وحتى في العالم الحقيقي. بعد ذلك، تلتقي هناك بأفاتار مخيف ومتوحش، وتحاول معرفته ومعرفة من هو في الحقيقة، بمساعدة صديقتها. المثير للاهتمام في هذا العالم الافتراضي أنه ورغم كونه "سوشيال ميديا المستقبل"، لكنه قائم على التنكر، ووجود شخصيات وهمية. وأكبر عقوبة يمكن أن يواجهها شخص في هذا العالم، هي فضح هويته الحقيقية من قبل الأمن الخاص بالعالم الافتراضي، الذي يمتلك جهازاً يخوّله إظهار صورة الشخص الحقيقية. هذا العالم يتيح لك أن تكون متحرّراً من شكل جسدك الحقيقي، وخلفيتك الاجتماعية الحقيقية. مع ذلك، يمكن أن تظهر بعض من تجاربك على شكلك في هذا العالم. ومن هنا، تبدأ سوزو (أو بيل)، برحلة بحثها عن "الوحش" الذي التقته هناك.

قصة خيالية في عالم حقيقي

مثلما توحي الأسماء، يستعير هوسودا بالفعل الكثير من التفاصيل من حكاية الجميلة والوحش، من دون أن تكون القصة نفسها. الاستعارة بالأساس شكلية، وتوحي بإمكانية عيش قصص خيالية في عالم كهذا. هناك قصور منعزلة، وحوش، وسحر. استخدم هوسودا الكثير من الإحالات من فيلم الجميلة والوحش لديزني، مثل مشهد الوردة، وخدم القصر، وبالطبع أشكال الأفاتارات واسم الفيلم. لكن، لم يكن فيلم الجميلة والوحش هو الوحيد الذي استعاره هوسودا.

منذ البداية، وعند تشكل أفاتار بيل، يعيدنا هذا الأفاتار إلى شخصية والدة بونيو، من فيلم بونيو لميازاكي. الشكل نفسه تقريباً، وطريقة ظهور مبهرة متشابهة. وبعد الدخول إلى هذا العالم، يمكننا أن نلاحظ التقارب بينه وبين عالم الأحلام في فيلم بابريكا، حتى يكاد المشهد يكون نفسه من نواحٍ مختلفة؛ أولاها الغرائبية والألوان والشكل الاحتفالي.
يمكننا أيضاً، عند غناء بيل، أن نجد إحالة لفيلم أناستازيا مع الغناء وتبدل الملابس. ولشخصيات مارفل في بعض الشخصيات داخل العالم الافتراضي.


أضافت كل هذه الاستعارات أجواء إلى هذا العالم الافتراضي، تجعلنا نذهب معه في رحلة فانتازية، تعيشها أميرة، لكن في فيلم خيال علمي. وهذه كانت أكبر ميزة في الفيلم. بالفعل، عاشت بيل قصتها الخيالية في هذا العالم، متحرّرة من العالم الحقيقي، لتصنع قصتها وتساعد في إنقاذ العالم.
بذلك، لا يحاول هوسودا إضفاء سوداوية على هذا المستقبل، كما في أي عمل يتناول تقنيات كهذه، إنما على العكس تماماً. السوداوية موجودة في العالم الحقيقي، وهذا العالم الافتراضي يساعدنا على التواصل حين نعجز عنه في الواقع. لكنه، في الوقت ذاته، ليس بديلاً عن العالم الحقيقي، إنما مجرد عامل مساعد. إضافة إلى ذلك، فإن الفيلم يدور أصلاً حول التواصل مع الآخر، وإمكانية التضحية من أجل الآخر وفهمه، حتى وإن كان أفاتار في عالم افتراضي، لا نعلم من خلفه. وربما يمكن تزييف الحقائق في العالم الواقعي أكثر، لإظهار صورة عائلة سعيدة على سبيل المثال.
وعن ذلك، قال هوسودا إنه يريد تحدي الروايات التي تحذر من زيادة استخدام الإنترنت، وإن "الشباب بحاجة إلى أن يعيشوا في كلا العالمين، وأن كلا العالمين يمثلان الحقيقة". وبين العالمين، خلق هوسودا أجواء مختلفة بشكل كبير. عند بداية الفيلم، وقبل الدخول إلى العالم الافتراضي، تكون الرسومات بسيطة، بألوان هادئة جداً، وتشبه أعماله السابقة. أما عند دخول العالم الافتراضي، يتغير الفيلم بصرياً وصوتياً كلياً من كافة النواحي، وينتقل من البساطة إلى الإبهار والألوان القوية، والأغاني العديدة التي تغنيها بيل، والضجيج الذي يظهر الاختلاف الكبير بين الهدوء في قرية سوزو، وهذا العالم المزدحم.

تقديم مختلف للنساء في الأنمي

مع كل أعمال الأنمي التي تقدم الشخصيات النسائية بشكل مسيء، وضعيف، وجنسي أحياناً؛ أراد هوسودا أن يقدم شيئاً مختلفاً. يقول في مقابلة له: "أشعر بأن الشخصيات النسائية في الأنمي الياباني، تقدم غالباً من خلال عدسة الرغبة التي تؤدي إلى استغلالهن جنسياً". في فيلم Belle، قدم هوسودا شخصيات نسائية بعيدة عن تلك النمطية، وقادرة على الفعل والتغيير، كما أنها شخصيات بسيطة، يمكننا أن نراها في كل مكان. وبذلك، يشبه ما يقدمه المخرج هاياو ميازاكي في أفلامه، التي تكون عادةً من بطولة فتيات عاديات يعشن مغامراتهن بأنفسهن، ويتمتعن بشخصيات مختلفة، لتكون هذه الأفلام بذلك جزءاً من الأعمال التي تكسر الصورة السلبية التي يقدمها الأنمي عن النساء.

المساهمون