"كعكتي المفضّلة" إيرانية: صدقُ حبٍّ وجمال سينما

31 يوليو 2024
"كعكتي المفضّلة": لا عمر يمنع حبّاً (الموقع الإلكتروني لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي")
+ الخط -
اظهر الملخص
- **حبٌّ في السبعينيات:** تدور القصة حول علاقة حبّ بين أرملة وسائق سيارة أجرة في السبعينيات من العمر، تبدأ بلحظة صدفة تجمع بينهما، مما يدفعهما لاختبار حبٍّ في عمرٍ متقدّم بعد فقدان أحبائهم.

- **لقاء في المنزل:** تدعو مَهين فرامرز إلى منزلها حيث يتحدثان، يأكلان، يشربان الخمر، ويستمعان إلى الأغاني، مما يجعل الحيّز الصغير يبدو أكبر وأجمل رغم تلصّص الجيران.

- **جمال السرد والبساطة:** يتميز الفيلم "كعكتي المفضّلة" بشفافية ساحرة وإيقاع هادئ، مع أداء تمثيلي استثنائي يعكس جمال وصدق المشاعر، والنهاية تأتي قاسية وصادمة.

 

قصّة عادية للغاية، رغم أنّها مرتكزة أساساً على حبٍّ وعلاقة هادئة وساعاتٍ قليلة. حبٌّ ينشأ بين أرملةٍ تبلغ 70 عاماً، وسائق سيارة أجرة في سبعينياته أيضاً. لحظةٌ واحدة تكفي لتشعر مَهين (ليلي فرهادبور) برغبة في التعرّف إلى فرامرز (إسماعيل محرابي)، وفي تمضية وقتٍ معه، وإنْ يكن الوقت ليلاً، والصباح آتٍ لا محالة. صدفةٌ تصنع اللحظة، واللحظة دافعٌ إلى اختبار عيشٍ، بعد وقتٍ على رحيل أحبّة (زوج وأولاد)، موتاً أو هجرة أو استقلاليةً. هذا حاصلٌ معه أيضاً، كأنّ المشترك بينهما رابطٌ يحرّضهما على اختبار حبٍّ في عمرٍ متقدّم.

الاختبار هذا منبثقٌ من إحساسٍ صادق بحبٍّ ينشأ من قناعةٍ، وإنْ تكن مبطّنة أو لاواعية، بأنّ الحياة أجمل من أنْ تُعاش في عزلة وانقطاع عن تعبيرٍ حقيقي بشعورٍ، يُراد له أنْ يصنع حياة. في "كعكتي المفضّلة" لمريم مقدّم وبهتاش صناعي ها، المشارك في مسابقة الدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، تُروى الحكاية بشفافية ساحرة، وإيقاع هادئ يفتح أعماق ذاتٍ وروحٍ تبوحان بما فيهما من أسئلةٍ وذكريات وانفعالات ورغبات، من دون فذلكةٍ كلامية وبصرية، بل بكثير من سلاسةٍ وبساطةٍ لن تحولا دون تبيان جمالٍ وصدق.

القصة تبدأ بعد سابقٍ عليها، يكشف شيئاً من تفاصيل عيش امرأةٍ وحيدةً، تستيقظ متأخّرةً في النهار، وتمضي وقتها في روتين يوميّ عادي. تشتري ما يلزم لغداءٍ مع صديقات عجائز، وتتنزّه في شوارع وحدائق، فتصادف شرطة أخلاق تريد اعتقال شابّةٍ "غير مرتدية حجابها كما يلزم". تسأل عاملاً في الحديقة عن الناس، لكنّها تُدرك أنّ العالم تغيّر، والأشياء القديمة مختفية، فتحاول مواجهة عصرٍ، واضحٌ أنّها غير متصالحة معه. تدخل مطعماً، فتستمع إلى رجالٍ يقولون أشياء عادية، تعكس ما في يومياتهم من مللٍ وفراغ.

 

 

وحده فرامرز يَلفت انتباهها أولاً (يقول شيئاً عن وحدةٍ يُقيم فيها منذ زمن)، قبل أنْ تجهد في لقائه، فتدعوه إلى منزلها أول الليل: يتحدّثان. يأكلان. يشربان خمراً، تصنعه في منزلها. يرويان أشياء عن حياة وعلاقات وأيامٍ ماضية. تصنع له كعكتها المفضّلة، بعد أنْ يستمعا إلى أغنيات يرافقانها في شبابٍ وفترات. يضحكان. يرقصان. يمتلئان حياةً في حيّز صغير، سيكون أكبر من العالم، وأجمل من الحياة، وأصدق من العيش. والحيّز، إذْ يكون منزلاً متواضعاً له حديقة صغيرة، يواجِه تلصّص جيرانٍ غارقين في انغلاقٍ وتزمّت، لكنّ مَهين قادرة على التصدّي، بشجاعة امرأة وحيدة مُتمكّنةٍ من المواجهة.

كلّ شيءٍ حلو، في لحظات فرحٍ ومتعٍ تمرّ في لقاء عاشقين، لعلّهما غير منتبهين كفايةً إلى معنى اللقاء والعشق، أو إلى أنّ عيشهما مطلبٌ وحقٌّ. في "كعكتي المفضّلة"، المعروض في "آفاق" الدورة الـ58 (28 يونيو/حزيران ـ 6 يوليو/تموز 2024) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي"، يتحوّل اللقاء (ساعاتٍ قليلة بين أول مساءٍ ممطر وبداية فجرٍ، وهذا الفصل أساس النصّ والحكاية، في سيناريو المخرجين أيضاً) إلى مساحةٍ مفتوحةٍ على كلّ جميل يُصنع بصدق، وعلى كلّ فرحٍ يعكس براءةً وبهاءً.

كلّ سابقٍ على لقاء المنزل تفاصيل تُشكِّل مدخلاً إلى عالمٍ، واقعه أليمٌ وقاسٍ. وهذا غير مرتبط بسياسة ونظامٍ واجتماع، وإنْ تكن هناك إشارات إليه، فالأهمّ كامنٌ في اللقاء وعالمه، بما فيهما من نقدٍ مبطّن لأحوال، ومن كشفٍ خفيٍّ لوقائع. فكلّ فيلمٍ، يُنجز في بلدٍ معقودٍ على قمع وانغلاقٍ وتشدّد، غير منزّهٍ عن موقفٍ أو قولٍ أو بوح، يمتلك شيئاً من قراءة واقع وحياة. رغم هذا، أميل إلى معاينة "كعكتي المفضّلة" بعيداً عن كلّ سياسة ونظامٍ واجتماع، لما فيه من جمالٍ بصري وبهاء سرديّ، وهذان معطوفان على شفافية قول.

إنْ تطغى البساطة في السرد، من دون حجب ما فيها من أسئلةٍ ومشاعر، فالتمثيل أساسيّ. كأنّ مبارزةً تحصل، إذْ يُراد لهذا التمثيل (أيكون استثنائياً لشدّة عفويته وسلاسته وبساطته؟) أنْ يكون مرايا تُعرّي مخبّأ في ذاتٍ وروح، وتشارك في صُنع لحظة وصورة.

أمّا النهاية (يُفضَّل عدم كتابةٍ شيءٍ عنها)، فقاسيةٌ وصادمة، وإنْ يُلمَّح إليها قليلاً، بين حين وآخر.

المساهمون