فيلمان مصريان جديدان: تناقضٌ بصريّ في الكوميديا

14 أكتوبر 2024
بيومي فؤاد: براعته الكوميدية مرتبطة بأسلوب الإخراج أيضاً (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "أنا وابن خالتي" يتميز بنص واقعي يتناول قضايا اجتماعية، مع أداء مميز لبيومي فؤاد وسيد رجب، مما يعزز جاذبيته الكوميدية.
- يعاني فيلم "التجربة المكسيكية" من ضعف في التمثيل والنص، ويفتقر إلى الترابط الدرامي، مما يؤثر سلبًا على جاذبيته رغم مشاركة ممثلين معروفين.
- إخراج أحمد صالح لفيلم "أنا وابن خالتي" يظهر توازنًا كوميديًا وحيوية في الشخصيات، بينما يفتقر "التجربة المكسيكية" إلى هذا التوازن، مما يجعله أقل تأثيرًا.

 

فيلمان مصريان جديدان (2024، نتفليكس) يطرحان سؤال الكوميديا: "أنا وابن خالتي" لأحمد صالح، و"التجربة المكسيكية" لشادي علي.

"أنا وابن خالتي" يتخفّف من ثقل رداءة متنوّعة الأشكال، تحضر في "التجربة المكسيكية". رداءة الثاني غير مُحتَملة، خاصة في التمثيل، وبيومي فؤاد، المُشارك فيهما، يُحافظ في الأول على بساطة شعبية (غير ساذجة وغير سوقية) تتلاءم وشخصية حسن، المرحة والعفوية والذكية واللمّاحة والأصيلة في ارتباطاتها العائلية والاجتماعية، بينما يفقد كثيراً من هذا في تأديته دور محمد بيه (التجربة المكسيكية)، مع احتفاظه بشيءٍ قليل من خفّة كوميدية مقبولة.

هذه ملاحظات نقدية:

(*) النصّ السينمائي لـ"أنا وابن خالتي" (إشراف على الكتابة لدعاء عبد الوهاب، سيناريو وحوار عمرو أبو زيد) أكثر سلاسةً وصدقاً في إيجاد معادلات بصرية لنزاعٍ طبقي/اجتماعي/عائلي، ولتربية وسلوك، رغم أنّ جزءاً من حكايته مستلٌّ من أعمال أجنبية عدّة: أبٌ ثريّ، لديه ولدان مُدلّلان للغاية، يواجِه أزمة مالية يستغلّها لتأديبهما، ولتعليمهما قيمة المال ومعنى حياة الفقر وأولوية الحسّ الإنسانيّ.

(*) اختيار ممثل لتأدية شخصية تتبوّأ المرتبة نفسها للشخصية الثانية في واجهة المشهد: أحمد صالح يختار سيد رجب في شخصية إسماعيل، ابن خالة حسن؛ بينما يؤدّي عمرو عبد الجليل دور كَوارشي (بطل المصارعة الحرّة) في "التجربة المكسيكية"، إلى جانب محمد بيه. الأول (رجب) أقدر من الثاني (عبد الجليل) على تلبية حاجات الشخصية، رغم تهريج ومبالغة كوميدية قليلين، ما يدفع بيومي فؤاد إلى منح حسن كلّ متطلباته البشرية والعائلية والاجتماعية والشعبية، بصدق وشفافية كبيرين. الثاني (عبد الجليل) أقلّ قدرة على بلوغ الكوميديا، رغم تمثيله في أفلامٍ موصوفة بها (في بعضها، يكشف جمالية أداء كوميدي، يفقدها في بعضها الآخر)، مع أنّ ملامحه، الممنوحة لكَوارشي، تُشير إلى شيءٍ من الإضحاك، رغم عبوسٍ دائمٍ، وهذا جزء من كوميديته.

 

 

(*) هناك فرق واضح في كيفية إخراج الفيلمين. فصالح أقدر على الإمساك بمفاصل "أنا وابن خالتي"، من دون بلوغ مرتبة سينمائية، تُتيح للكوميديا أنْ تُبرز مفرداتها الفنية والجمالية والسردية والأدائية بشكل أوفى وأعمق وأجمل. اختياره ممثلين وممثلات لتأدية أدوار ثانية (هنادي مهنا وإسراء رخا وسارة عبد الرحمن والمغنّي علي لوكا) مُوفّق، فجميعهم يُقدّمون شخصياتهم بما يليق بها، وبعضها يتناقض كلّياً مع البعض الآخر، في مستويات العيش والتصرّف والتربية، وصولاً إلى لحظة انقلابٍ جذري في مسار ابنَي إسماعيل، رجل الأعمال الثري (مهنا ولوكا). هذا غير حاضرٍ في "التجربة المكسيكية"، إذْ يطغى في نصّه (محمود حمدان ومحمد محرز) وإخراجه واشتغالاته ما يشبه فلتاناً درامياً في سرد حكاية خمسة سجناء، يُسافرون إلى المكسيك، فيواجهون عصابة دولية، يتغلّبون عليها طبعاً، بمساعدة صحافية شابّة تريد إنقاذ والدتها وشقيقها منها.

(*) التهريج، بمعناه السلبيّ، غالبٌ في "التجربة المكسيكية". مبالغةٌ في تأدية أدوار، وافتعالٌ في كتابة مَشاهد، وخلل يُصيب مفاصل النصّ السينمائي برمّته، لاستناده على تجميع لقطات ربما توحي بترابطٍ ما بينها، لكنّها تكشف تركيباً مصطنعاً، يحتاج إلى منطقٍ بصريّ ـ سرديّ للاقتناع به. هذا غير موجود في "أنا وابن خالتي"، المشغول ببساطة وسلاسةٍ تجمع لقطات كوميدية بأخرى تلتقط أزمة العلاقة بين إسماعيل وحسن، التي تبدأ (الأزمة) منذ ولادتهما بفرق ثوانٍ (ولادة إسماعيل قبل ولادة حسن) لحظة إعلان جمال عبد الناصر استقالته، بُعيد حرب الأيام الستة (1967)، كما في بداية الفيلم، المُصوّرة بالأسود والأبيض.

(*) سذاجة الافتعال البصري في "التجربة المكسيكية" تغيب عن بنية الحكاية وكيفية سردها سينمائياً في "أنا وابن خالتي"، مع تنبّهٍ إلى أنّ التبسيط والسلاسة غير ناجحين كلّياً في صُنع البنية وكيفية السرد، لكنّهما تقولان امتلاكه حِرفية اشتغالات فنية، وهذا كافٍ لإبراز شيءٍ من الكوميديا، أو الإضحاك فقط.

(*) في "أنا وابن خالتي"، ممثلون وممثلات لهم/لهنّ في السينما المصرية اشتغالٌ كثيرٍ، وبعضه فعّال ومؤثّر. حضورهم يجعله مقبولاً بشكل كوميدي عادي ومُسلّ. حضور يبدو احتفاء بشيخوخة يعيشونها، بعد عمرٍ من مثابرة في اختبار أدوار/شخصيات مختلفة، في أفلامٍ ومسلسلات وأعمال مسرحية: ميمي جمال وإنعام سالوسة ولطفي لبيب. فعلٌ كهذا مُختفٍ من "التجربة المكسيكية".

المساهمون