طور فريق من علماء الفلك بقيادة جامعة كامبريدج طريقة مبتكرة تسمح لهم بـ"الرؤية" عبر ضباب الكون المبكر، واكتشاف الضوء من النجوم والمجرات الأولى في فترة يعدها العلماء "فجر الكون". تسمح هذه المنهجية للباحثين بمراقبة ودراسة النجوم الأولى من خلال سُحُب الهيدروجين التي ملأت الكون بعد حوالي 378 ألف سنة من الانفجار العظيم، وفقاً للدراسة التي نشرت يوم الخميس 21 يوليو/ تموز في مجلة Nature Astronomy.
في عام 2018، اكتشف تلسكوب لاسلكي في المناطق الأسترالية النائية إشارة تبدو كأنها من غاز الهيدروجين الذي يمتص الأشعة فوق البنفسجية من النجوم الأولى، بعد بضع مئات من ملايين السنين من الانفجار العظيم. لكنّ الإشارة كانت أقوى بمرتين مما هو متوقع، ما يعني أنّ الغاز كان أبرد بكثير مما تتنبأ به النظرية القياسية.
كانت مراقبة ولادة النجوم والمجرات الأولى هدفاً لعلماء الفلك لعقود من الزمن، حيث ستساعد في تفسير كيفية تطور الكون بعد الانفجار العظيم إلى عالم معقد من الأجرام السماوية كما نلاحظه اليوم بعد قرابة 13.8 مليار سنة. من المتوقع أن تكون الإشارة التي يهدف علماء الفلك إلى اكتشافها أضعف بنحو مائة ألف مرة من الإشارات الراديوية الأخرى القادمة من السماء أيضاً، على سبيل المثال، إشارات الراديو التي تنشأ في مجرتنا.
بينما اقترح بعض علماء الفيزياء الفلكية أنّ هذه الإشارة قد تكون ناتجة عن التفاعلات مع المادة المظلمة، دعا آخرون إلى مزيد من القياسات الأكثر دقة باستخدام معدات وتقنيات أفضل، إذ لا بدّ أن تكون الإشارة أضعف بحوالي 100 ألف مرة من الإشارات اللاسلكية من مجرة درب التبانة، لذلك من الصعب استبعاد التلوث الضوضائي من مصادر الراديو القريبة أو مشاكل الأجهزة نفسها.
يؤدي استخدام التلسكوب الراديوي نفسه إلى حدوث تشوهات للإشارة المُستقبَلة، والتي يمكن أن تحجب تماماً الإشارة الكونية ذات الأهمية. يعتبر هذا تحدياً شديداً لأجهزة وتقنيات الرصد في علم الكون الراديوي الحديث. عادة ما يلقى اللوم على مثل هذه التشوهات المتعلقة بالأجهزة باعتبارها عنق الزجاجة الرئيسي في هذا النوع من المراقبة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، إلوي دي ليرا أسيدو، من مختبر كافنديش في جامعة كامبريدج: "في الوقت الذي تشكلت فيه النجوم الأولى، كان الكون في الغالب فارغاً ويتكون من الهيدروجين والهليوم. بسبب الجاذبية، اجتمعت العناصر في النهاية وكانت الظروف مناسبة للاندماج النووي، وهو ما شكل النجوم الأولى. لكن هذه النجوم كانت محاطة بسحب من الهيدروجين المحايد، التي تمتص الضوء جيداً، لذلك من الصعب اكتشاف أو ملاحظة الضوء خلف الغيوم مباشرة".
وأضاف أسيدو في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ المنهجية المطورة في الدراسة تهدف لرؤية الغيوم البدائية وإشارات ضوضاء السماء الأخرى، وتجنب التأثير الضار للتشوهات التي يسببها التلسكوب الراديوي. وستسمح هذه المنهجية لعلماء الفلك برصد أقدم النجوم من خلال تفاعلها مع غيوم الهيدروجين، بنفس الطريقة التي نستنتج بها منظراً طبيعياً من خلال النظر إلى الظلال في ضباب. كما ستعمل هذه الطريقة على تحسين جودة وموثوقية الملاحظات من التلسكوبات الراديوية التي تبحث في هذا الوقت المهم غير المكتشف في تطور الكون. ومن المتوقع أن تعلن الملاحظات الأولى من هذا المشروع في وقت لاحق من العام الحالي.
تستخدم المنهجية التي طورها الفريق من أجل الكشف عن إشارة كونية في وجود تداخل من التلسكوب وضوضاء عامة من السماء، إذ يمكن الفصل والتمييز بين كل هذه الإشارات. وللقيام بذلك، كانت هناك حاجة إلى أحدث التقنيات التي تتشارك في تطويرها فرق بحثية متعددة التخصصات.