تأجيلٌ فإلغاء، ثم إعلانٌ عن دورة "استثنائية"، فالحرب الإسرائيلية الجديدة على قطاع غزّة والضفّة الغربية تزداد وحشية لحظةً تلو لحظة، والأنسب تخصيص حيّز بسينما فلسطين، كمدخلٍ إلى عدم إلغاء كاملٍ. خطوات كهذه يمرّ بها "مهرجان الجونة السينمائي"، الذي يُفترض بدورته الـ6 تلك أنْ تُقام في موعدها المحدّد سلفاً (13 ـ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، أي بعد قليلٍ على "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، قبل تأجيلٍ لأسبوعين (27 أكتوبر/تشرين الأول ـ 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، ثمّ تأجيلٌ ثانٍ من دون تحديد موعدٍ آخر. لكنْ، هناك ما يُلحّ على ضرورة إقامة الدورة هذه، فيُحدّد موعد، يبدو أنّه نهائي: 14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2023.
"الاستثنائي" مرتبطٌ بفلسطين. الخطوات تبلغ مرتبةً، تتيح لإدارة المهرجان تنظيم الدورة الـ6، مع برنامج إضافي، بعنوان "نافذة على فلسطين"، بالتعاون مع "مؤسّسة الفيلم الفلسطيني". هذا أفضل من لا شيء البتّة. إطلالةٌ، ولو خفرة، على بلدٍ يُدمَّر وشعبٍ يُباد، عبر فنّ وثقافة، نوعٌ من مواكبة حالةٍ، يُمعن المحتلّ الإسرائيلي في جعلها أعنف وأقسى وأبشع وأكثر أذيّة، متفنّناً في ابتكار أشكال "أجدد" من العنف والقسوة والبشاعة والأذية.
رغم أنْ لا "جديد" (شكلاً على الأقلّ) في برنامجٍ، يُراد له إطلالة ومواكبة عبر السينما (البرنامج يقتصر على عروض أفلام، وتنظيم حلقة نقاش)، تشي الخيارات بأنّ المقدور عليه من أفلامٍ، بعضها حديث الإنتاج، كافٍ إلى حدٍّ ما لتقديم صورة عامة عن بيئة وأفرادٍ، بعض هؤلاء يعكس، في حكاياته ومشاعره وتأمّلاته، أحوال غزّة نفسها في حروبٍ إسرائيلية سابقة، كما في "الإسعاف" (2016) لمحمد الجبالي؛ أو يقول شيئاً من تاريخ عائلة ـ تاريخ مجتمع وبلدٍ في آن واحد، كما في "باي باي طبريا" (2023)، للجزائرية الفرنسية لينا سويلم. والتاريخ، مُتحرّرا من عِلْمٍ يُحدّد مساره في توثيق وسرد، ومحافظا على شيءٍ منه أيضاً، كي يتمكّن من سرد الموثَّق، يُعيد كتابة الحاصل سابقاً عبر قصة حبّ، لن تُحصَر في علاقة ثنائية فقط، فالحبّ منفلشٌ على بيئة ومدنٍ وأناسٍ وتفاصيل أيضاً، كما في "باب الشمس" (2004)، للمصري يُسري نصرالله.
في "الإسعاف"، تُروى يوميات أناسٍ في غزّة، عبر عيون مسعفين يهبّون لإنقاذ جرحى القصف الإسرائيلي على مدينتهم، عام 2014. بينما تختار سويلم 4 نساء فلسطينيات ينتمين إلى 4 أجيالٍ مترابطة في سياق عائلي ـ تاريخي، مازجةً في التصوير والكلام بعض الذاتي ـ الشخصي بشيءٍ من العام. أما "باب الشمس"، فـ"ملحمة" سينمائية (بجزءين اثنين: الرحيل والعودة، يُعرضان بنسخة مُمرّمة حديثاً)، تُحوِّل سيرة يونس إلى فضاء يتّسع لتاريخٍ حافل من النكبات والآلام والمواجهات والانكسارات والتحدّيات.
أفلامٌ أخرى تُعرض في "نافذة على فلسطين": فيلم تحريك بعنوان "الرسم من أجل أحلام أفضل" (2017) لمي عودة، عن نضال أطفال فلسطينيين، عبر التقاط كيفية تعاملهم مع الحياة عبر رسوماتٍ لهم يتفنّنون بابتكارها بأقلام تلوين، وتأكيد على أهمية السماح بحلم وأمل. و"بلا سقف" (2017) لسينا سليمي: امرأة من غزّة تُحضّر وجبة إفطار لأسرتها في شهر رمضان. تتلقّى اتصالاً هاتفياً يُحذّرها من أنّ المنزل، الذي تُقيم فيه، سيُقصف بعد 10 دقائق؛ فما الذي ستتركه خلفها؛ وهل ستلوذ بالفرار؟ و"الشجاعية" (2014) لمحمد المغني: أفراد عائلة واحدة يتواجهون في صراع بينهم، بعد سلسلة تفجيرات تدمّر منزلهم، فتقتل أفراداً من العائلة نفسها، وتُصيب آخرين بجراح خطرة.
مع عبد السلام شحادة، استكشافٌ للتاريخين العربي والفلسطيني عبر صُور فوتوغرافية، يستعرضها في "إلى أبي" (2008): 50 دقيقة تروي، "بلغة شعبية وعفوية"، قصّة الصورة الفلسطينية، ومدى التغيير الكبير الطارئ على المجتمع عبر الصُوَر، والعلاقة بين الصورة والكاميرا، والتغيّرات الحاصلة.
إلى "باي باي طربيا"، هناك "الأستاذ" لفرح النابلسي ("العربي الجديد"، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، المُنتج مثله عام 2023: أستاذ يُدرِّس اللغة الإنكليزية، ويهتمّ بتلميذين شقيقين، ويواجه في بلدته "بورين" (الضفة الغربية) تحدّيات احتلال ومقاوَمة ونزاعات، في الذات والروح، كما في الاجتماع والعلاقات. للأستاذ (صالح بكري) تاريخٌ في المقاومة، وابنٌ له يتوفّى في سجنٍ إسرائيلي بسبب وضع صحي قاسٍ، وجندي يُخطَف، وصراع دموي مع مستوطنين، وبحثٌ في مسائل حسية ومادية وروحية، في بيئة واجتماع.
هناك أفلام أخرى، كـ"ليست فقط صورتك" لآن باك ودرور ديان (رحلة مأسوية لأشقاء ألمان ـ فلسطينيين، يسعون إلى تحقيق العدالة لعائلاتهم، بعد غارة جوية إسرائيلية على غزّة). إضافة إلى حلقة نقاش: "الكاميرا في أزمة: عدسة على فلسطين"، تضمّ رشيد مشهراوي ونجوى نجار وخليل المزيان وأحمد المنيراوي (ممثل من غزّة)، يتناولون فيها تجاربهم المباشرة، والتحدّيات التي يواجهونها في التصوير. والحلقة نفسها، التي يُديرها محمد المغني، تعرض "صورة عميقة عن صمود وإصرار صنّاع الأفلام، الذين يتغلّبون على الشدائد، ليُقدّموا رواياتهم القوية على الشاشة".