فك الحجب في إيران: المهمة الشاقة

09 مايو 2023
حجبت السلطات مواقع بالجملة مع بدء الاحتجاجات (مرتضى نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -

فقد أميد، وهو شاب إيراني في العشرينيات من عمره، عمله بعد حجب منصة إنستغرام مع غيرها من مواقع التواصل في إيران عقب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في البلاد في سبتمبر/ أيلول الماضي. 
يقول أميد لـ"العربي الجديد"، إنه قبل عام خطط لإطلاق صفحة على "إنستغرام" لتعليم مهارة التسويق لمن يرغب من الإيرانيين، مشيراً إلى أنه اقترض مبلغاً قدره 2000 دولار لشراء صفحة جاهزة على المنصة، ووصل عدد أعضائها إلى 4 آلاف، لكن "فجأة انهار أملي بعدما حجبت السلطات الموقع، فاضطررت إلى ترك المشروع بعدما خسرت مالاً كثيراً". 
يضيف الشاب الإيراني أنه بعدما خففت السلطات القيود على الإنترنت الدولي أصبح يفكر باستكمال مشروعه من خلال استخدام برامج فك التشفير (VPN)، لافتاً إلى أن هذه البرامج "أيضاً لها مشاكلها وتحدياتها". إذ يشير إلى أن حجب هذه البرامج يحصل تباعاً فور اكتشاف السلطات لها، كما أن استخدامها يبطئ سرعة الصفحة.
ويوضح أميد أن بعض أصدقائه لا يزالون يزاولون عملهم الدعائي التسويقي على "إنستغرام" من خلال استخدام برامج VPN، لكن عملهم مهدد أيضاً في حال عاودت السلطات قطع الإنترنت الدولي كما حصل خلال الاحتجاجات، إلا أن كل البرامج ستتوقف عن العمل، بما فيها برامج فك التشفير.
أميد ليس حالة معزولة، إذ يلجأ الإيرانيون إلى برامج فك الحجب والتشفير للوصول إلى جميع المنصات الدولية الاجتماعية المحظورة، مثل "إنستغرام"، و"واتساب"، و"تويتر"، و"فيسبوك"، و"يوتيوب".

عدد المستخدمين

حسب تقرير نشرته صحيفة "دنياي اقتصاد" في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فإن 89.2 في المائة من المستخدمين الإيرانيين يستعملون الإنترنت الدولي من خلال برامج فك الحجب. والمفارقة أن عدداً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي المحظورة وفي مقدمتها "تويتر"، وينشرون عليها رسائل شبه يومية. 
يكشف تقرير لمركز "إيسبا" الإيراني لقياس الأفكار والاستطلاعات، في مايو/ أيار 2022، عن أن 78.5 في المائة من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة، يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي.  
ويشير التقرير إلى أن منصة واتساب هي الأكثر شعبية في إيران، إذ يستخدمها 71.1 في المائة من مستخدمي الشبكات الاجتماعية، ثم "إنستغرام" بـ49.4 في المائة وثم "تليغرام" بـ31.6 في المائة.  
وكان حظر منصتي واتساب وإنستغرام خلال سبتمبر الماضي قد دفع عشرات الآلاف إلى النزوح صوب منصة تليغرام  المحظورة أيضاً، لكن الوصول إليها أسهل من باقي المنصات. وتشير تقارير إيرانية إلى أن عدد مستخدمي تليغرام في إيران يبلغ حالياً نحو 50 مليون شخص.

الالتفاف على الحظر 

عن الالتفاف على الحظر، يقول الخبير التقني الإيراني جواد متبحر لـ"العربي الجديد"، إن المستخدمين المحترفين سواء للالتفاف على العقوبات الأميركية أو حظر المواقع والمنصات الاجتماعية داخلياً يستخدمون "في بي إس" VPS أو برامج "كَستوم" للوصول إلى الإنترنت الحر.  
يضيف أن المستخدمين العاديين يستخدمون طريقتين للوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي: الأولى هي خدمة بروكسي المجانية الأكثر استخداماً في إيران للوصول إلى "تليغرام" و"واتساب"، والثانية هي برامج فك الحجب مثل تور، وتالنت... 
يوضح متبحر أن معظم برامج فك الحجب المستخدمة في إيران "محلية ويصنعها تقنيون إيرانيون"، مشيراً إلى أن "الصانع المحلي يخصص سيرفراً داخل البلاد وآخر خارجها لبرامج فك الحجب"، ثم يربط السيرفر الداخلي بسيرفرات بقية الدول، مشيراً إلى أن سيرفرات فرنسا هي الأكثر جودة.

معاقبة في غياب التجريم

بعد انتشار واسع لبرامج فك الحجب في إيران، خلال السنوات الأخيرة، وبالذات بعد حظر شبكات اجتماعية ومواقع أخرى خلال الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد، توجهت السلطات الإيرانية إلى اتخاذ قرارات لـ"تجريم" إنتاج وبيع وتوزيع تلك البرامج ومعاقبة مستخدميها.  
وعليه، كشفت السلطات الإيرانية، في 4 يناير/ كانون الثاني 2023، عن اتخاذ قرارات تلزم السلطة القضائية بمعاقبة منتجي وبائعي وموزعي برامج فك الحجب VNP، وذلك بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وفقا لوكالة "إيسنا" الإيرانية.  
وأضافت الوكالة أن هؤلاء الأشخاص ستشملهم العقوبات المنصوص عليها في المادة 753 لقانون العقوبات الإسلامية، التي تنص على أن "كل من يرتبك مخالفة إنتاج أو نشر أو توزيع أو بيع برامج غير قانونية سيحكم عليه بالحبس من 91 يوماً إلى عام"، فضلاً عن غرامات نقدية. كما دعت القرارات المتخذة خلال العام الماضي إلى إلغاء تراخيص العمل للشركات في حال تورطت في إنتاج وتوزيع هذه البرامج.
كما تم تكليف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الإيرانية بفرض رقابة مستمرة على انتشار برامج فك الحجب واكتشافها وتعطيلها فوراً وإحالة المخالفين إلى السلطة القضائية.

توجهت السلطات الإيرانية إلى اتخاذ قرارات لـ"تجريم" إنتاج وبيع وتوزيع تلك البرامج

إلا أن تلك القرارات واجهت إشكاليات قانونية، بسبب غياب قوانين تجرّم بيع برامج فك الحجب والارتزاق منها. إذ قال وزير الاتصالات الإيراني عيسى زارع بور، في 8 يناير الماضي، بعد أيام من اتخاذ تلك القرارات، إنه على الرغم من أن بيع برامج فك الحجب "غير مصرح به لكنه للأسف لم يتم تجريم ذلك"، مشيراً إلى جهود تبذل لتجريمها أيضاً.
وفي السياق، يقول الخبير القانوني الإيراني حميد رضا إبراهيمي لـ"العربي الجديد"، إن استخدام برامج فك الحجب للوصول إلى العالم الافتراضي "لم يتم تجريمه" في القانون الإيراني، لافتاً إلى أن الأصل هو البراءة ما لم يكن هناك نص قانوني صريح. 
ويضيف إبراهيمي أنه "قد يأتي يوم تتقدم التكنولوجيا فيه إلى مستوى يصبح من غير الممكن حظر (آي بي) المواقع الافتراضية، كما أن بعض المواقع المتطورة تغيّر الـ(آي بي) بحيث يمكن الوصول إلى هذه المواقع بسهولة من دون استخدام برامج فك الحجب". 
إلى ذلك أيضاً، تضطر الكثير من البنوك والاقتصاديين والباحثين والصحافيين إلى استخدام تلك البرامج في عملهم اليومي الاعتيادي للوصول إلى المواقع والشبكات التي يريدونها. ويؤكد إبراهيمي أن ذلك يعد "عملاً مشروعاً وفق مبدأ البراءة العام". 
ويوضح الخبير الإيراني أنه بغض النظر عن وجود خلافات في الرأي بشأن تجريم استخدام برامج فك الحجب من عدمه، فإن هناك "أمراً متفقاً عليه وهو أنه في ضوء التقدم الآني السريع للتكنولوجيا سيؤدي فرض الحظر القانوني على الوصول إلى المعلومات الضرورية إلى الالتفاف على القانون في المجتمع".

معاناة مستمرة 

يواجه المستخدم الإيراني معاناة مستمرة في البحث عن برامج فك حجب قوية، وزادت هذه المعاناة في الأشهر الأخيرة بعد ارتفاع الطلبات على هذه البرامج في ظل تشديد الحظر الإلكتروني في إيران. إذ يقول الخبير التقني الإيراني محمد جواد لـ"العربي الجديد"، إنه "كلما زاد الحظر ارتفع الطلب على برامج فك الحجب، وهو ما أدى أيضاً إلى زيادة مقدمي خدمات في بي إن، غير أن الوصول إلى برامج ذات جودة بحد ذاته يشكل تحديا كبيرا" للمستخدمين الإيرانيين.  
وانتشرت أيضاً حالات غش واحتيال في سوق برامج فك الحجب من جراء ارتفاع الطلب واستغلال البعض هذا الوضع لتحصيل منافع مادية.

انتشرت أيضاً حالات غش واحتيال في سوق برامج فك الحجب

ويشير الخبير جواد إلى هذا الوضع قائلاً إن البعض يستغله لبيع برامج رديئة للمستخدمين وهي لا تنفعهم في الوصول إلى الشبكات والمواقع المحظورة، لافتا إلى أن المستخدم الإيراني أصبح يمتلك تجربة وسيجد في نهاية المطاف برنامج فك حجب لاستخدام شبكات التواصل. 

 تبعات فنية وأخلاقية

ثمة أضرار وتبعات فنية و"أخلاقية" لاستخدام برامج فك الحجب، إذ إنها باتت تضع أمام الأطفال واليافعين في إيران الإنترنت المفتوح، كما يقول الخبير محمد جواد، الذي أضاف أن الحظر جعل "الإنترنت في إيران بلا حدود"، من دون أن يقصد سهولة الوصول إلى الإنترنت نفسه وجودته بل سهولة الوصول إلى أي محتوى، قائلا إن الأطفال على الهواتف والأجهزة التي يستخدمونها يحتاجون إلى برامج فك الحجب للوصول إلى ألعاب ومنصات تواصل، ولذلك بات بإمكانهم الوصول إلى "أي محتوى" من دون أن أي رقابة أسرية. 
إلى ذلك أيضاً، ثمة تحذيرات من أن الكثير من برامج فك التشفير تحتوي برمجيات خبيثة أو تجسسية من شأنها أن تتسبب بتعطيل الجهاز أو استخراج المعلومات الشخصية منه.

تجارة رابحة

 تشديد الحظر على المواقع والمنصات، أحدث تحولاً في خدمة "في بي إن"، إذ تحولت إلى تجارة رابحة لمقدمي هذه الخدمة، كما يقول الخبير محمد جواد لـ"العربي الجديد".  
ويضيف جواد أن معظم المواقع أو القنوات على "تليغرام" كانت تقدم خدمة فك الحجب مجاناً للمستخدمين الإيرانيين، وكانت تحقق أرباحاً من خلال نشر إعلانات تجارية، لكن اليوم إثر ارتفاع هائل في الطلب بعد تشديد الحظر لم تعد تلك الخدمة مجانية.

ويعزو السبب الآخر إلى نفقات كبيرة يتحملها مقدمو خدمة برامج فك الحجب في إيران على خلفية المحاولات الفنية المستميتة للسلطات المعنية لاكتشاف هذه البرامج وإغلاقها، وهو ما يستدعي جهداً فنياً وتقنياً إضافياً لصناعها لتطويرها المستمر. 
كما تنتشر أخبار في إيران تشير إلى أن أبناء بعض المسؤولين يعملون في تجارة برامج فك الحجب المربحة، إذ يتهم الخبير جواد "أبناء الذوات" بالعمل في تجارة برامج فك التشفير. و"أبناء الذوات" مصطلح رائج في البلاد يطلق على أبناء مسؤولين يستغلون مناصبهم لتحصيل منافع غير مشروعة. 
وفي السياق، خلال العام الماضي، وجهت وسائل إعلام إيرانية اتهامات للمواطن الإيراني حميد رضا زادة، ابن نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والعائلة أنيسه خزعلي، بإدارة شركة "بتر نت" لإنتاج "في بي إن" في كندا. وأثار الأمر انتقادات واسعة، خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن خزعلي نفت صحة هذه الاتهامات، قائلة إن ابنها يقيم في كندا للعمل على تطوير مشروع برمجيات. 
تقدر تقارير إيرانية أرباح شركات وأشخاص يعملون في تجارة "في بي إن" بنحو ألف مليار تومان (نحو عشرين مليون دولار). 

المساهمون