انطلقت الأسبوع الماضي، عروض مسرحية "فسيفساء القدس"، التي جابت حارات وأزقّة المدينة القديمة، من بينها حارة السعدية وباب حطّة وباب الأسباط وطريق الآلام وطريق المجاهدين، على أن تقام 3 عروض أخرى خلال أغسطس/آب الجاري.
والعمل من إنتاج المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، بمبادرة من مؤسسة برو تراسنطا في القدس، عبر برنامجها حكاية تراث. وجاء بناءً على نتائج بحث مشترك أجرته مع مركز الفسيفساء في أريحا، لتأسيس لرؤية جديدة بخصوص مسرح الشارع في فلسطين عامة، والقدس خاصة.
وقال مدير عام "الحكواتي"، عامر خليل، في حديث مع "العربي الجديد": "البداية كانت من البحث الذي تناول التاريخ، والمعمار، والعادات والتقاليد، وخلص إلى أن عددا قليلا من الفلسطينيين، بمن فيهم أهل القدس، ينظمون زيارات إلى هذه الأماكن، فكانت الفكرة تشجيع زيارة تلك المناطق عبر مبادرات سياحية، تطوّرت لاحقاً لتأخذ شكل عرض لحكواتي عبر مسرحنا".
وأضاف: "آثرت أن نقدّم مسرحية شارع باعتبار أن الحكواتي سيكون دليلاً سياحيّاً ليس أكثر، وبعد قراءة الدراسة رفقة الفنان والكاتب حسام أبو عيشة، ولاحقاً المخرجة جورجينا عصفور، وعملنا من خلال الدراسة على الخروج بقصة ترتبط بالمنطقة من حيث العادات والتقاليد، والناس والحياة، عبر حكاية درامية".
ولفت خليل إلى أنّ اقتصار الانطلاقة على أربعة عروض، يعود إلى الظروف التي تعيشها المدينة في ظلّ الاحتلال، خاصة مع التواجد العسكري المكثف فيها. لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى نيتهم تنظيم المزيد من العروض في المستقبل، معتبرا أنً العمل "لا يهدف إلى تقديم مسرح شارع حقيقي في فلسطين فحسب، بل للتعريف بالقدس بكامل تفاصيلها".
وبعد ثمانية عشر عاماً من غيابها عن المدينة، تصادفت زيارة الشاعرة الفلسطينية هلا الشروف إلى القدس، مع العرض الذي أقيم الثلاثاء الماضي.
وقالت الشروف في حديث مع "العربي الجديد": "القدس المدينة اللغز القادرة على ابتلاع كل الثقافات وصهرها، وهو ما لا يريد الاحتلال والمستوطنون استيعابه، فهي أكبر من الجميع".
ولفتت إلى أنّ العرض عرّفها بأماكن مجهولة لها، مضيفةً: "لم يخطر ببالي أننا قادرون على تقديم عمل مسرحي متحرك بهذه الاحترافية، وأن يكون على هذا القدر العالي من الحقيقة والحميمية في آن"، لافتة إلى أن ما ميّزه خروجه بقالب مسرحي بعيد عن الطرح التاريخي الصرف.
وتدور حكاية المسرحية باختصار حول قصة حب كانت تبدو مستحيلة ما بين بشير ابن صاحب مقهى، عائد من بيروت بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في المحاسبة صيف العام 1966، وبسمة ابنة واحد من أثرى اللحامين في المدينة، وتنتهي باندلاع حرب يونيو/ حزيران 1967.
ومزجت ما بين الحكواتيين الذين يسردون القصة، ويعرفّوننا بحارات وأزقّة القدس التي تدور فيها الأحداث، مثل مسجد المئذنة الحمراء، وحوش العدس، والمدرسة العمرية، وكنيسة الجلد، والزاوية الأفغانية، وغيرها من الأماكن، انتهاءً بساحة برج اللقلق".
تتحدث "فسيفساء القدس" أيضاً عن شخصيات ومهن، بعضها انقرض مثل السقا، مع التطرق إلى العادات مثل الطهور والزفة والكتاتيب وتجفيف الأطعمة وحلقات الذكر وغيرها. مع تسليط الضوء على الأطعمة المقدسية، ومن أشهرها كعك القدس وعصير الليمون، والحلقوم وقمر الدين.
وقالت مخرجة العمل، جورجينا عصفور، في حديث مع "العربي الجديد": "اعتمدتُ على قصة حب، لقناعتي بأن علاقتنا بالقدس نحن أهلها وسائر الفلسطينيين هي علاقة حب، كما أن الحب بمفهومه العام عامل تعزيز لصمودنا على أرضنا".
واعتبر القاص زيّاد خداش أنّ العرض "يمكن اعتباره مؤسساً لمسرح الشارع في فلسطين، حيث تنقلنا مع الممثلين من حقبة لأخرى، ومن زقاق لآخر، ومن شارع لشارع، كما أن أداء الفنانين كان تلقائياً لدرجة أنني لم أشعر بأنهم يمثلون، وكان كلّ شيء يجري بدقة وسلاسة، وكأننا في رحلة بالبلدة القديمة وبين ناسها، فلم تكن مسرحية فنيّة تقليدية بل طبيعية إلى درجة الحقيقة المطلقة".
وأضاف: "كانت تسعدني نظرات المستوطنين غير المرتاحة إزاء ما يحدث، ما بين غضب واستهجان، فامتعاضهم يعني أننا نسير في الطريق الصحيح".
وعن العمل المسرحي الذي يخلط أنماطا أدائية عدة كالحكواتي والاستعراض والموسيقى الحيّة، قال ابن القدس، الفنان حسام أبو عيشة لـ"العربي الجديد": "هو مشروع فني مبني على التفكير خارج الصندوق، وعلاوة على الحبكة الدرامية للعمل، فقد تحدثنا عن ثلاثة وعشرين موقعاً تاريخياً وأثرياً، وعن أكثر من مئة عادة وطقس مقدسي، بين ما هو اجتماعي، وتراثي، وديني، وثقافي، بالعودة إلى القدس في العام 1966، مع سرد وقائع تاريخية بشكل مختزل ومبسّط ودون تكلّف".
وأضاف: "أحد الأسباب التي دفعتنا لتقديم أفضل ما لدينا، هو سماعنا المستوطنين صغاراً وكباراً، خلال قيامنا بالتدريبات على العمل، يتحدثون عن القدس كمدينة خالصة لهم وحدهم، فأدركنا أن ما نقوم به يجب أن يكون متواصلاً. نحن لسنا أبطالاً، لكنّنا نقوم بدورنا الفني والوطني".
والعمل فكرة وإخراج جورجينا عصفور، ومن تأليف حسام أبو عيشة، الذي يشارك في التمثيل مع شادن سليم، ومحمد الباشا، ونضال الجعبة، وفاطمة أبو عالول، أمّا الموسيقى فمن تأليف رائد سعيد.
وهو من إنتاج المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) بالتعاون مع مؤسسة برو تراسنط"، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وتنظم العروض الثلاثة الأخرى في الأول والثالث والثامن من أغسطس الحالي.