تمثّل فرقة بهية الموسيقية المصرية نقطة التقاء بين الروح التراثية والابتكار الموسيقي، إذ تستلهم من أعمال فنانين مثل سيد درويش والشيخ إمام وزكريا أحمد، وتضفي عليها لمسة معاصرة. تأسست "بهية" بشغفٍ ورؤية فنية طموح، تجسّد التناغم المثالي بين الأصالة والتجديد.
مع استعداد الفرقة لإحياء حفلها الأول في لندن، غداً الأحد، كان لـ "العربي الجديد" هذا الحوار مع عمر العيّاط، أحد المؤسسين والأصوات الرئيسية وعازف العود في الفرقة.
ما هو النهج الذي تتبعه فرقة بهية لإحياء التراث العربي والموسيقى الشعبية؟ وهل ممكن أن تخبرنا عن كيفية تأثير السخرية على العروض؟
انطلقت فرقة بهية عام 2011، وتميّزت بنهجها الفني الفولكلوري الشعبي والثوري والاجتماعي، ونقلت هذا النمط إلى الأجيال الجديدة. في البداية، تبنت الفرقة الأسلوب الكلاسيكي القديم الذي كان يميز هذه الأغاني عند ظهورها في الستينيات والسبعينيات، وحتى قبل ذلك. ومع مرور الوقت، بدأ أعضاء الفرقة يتساءلون عما إذا كانوا يجب أن يستمرّوا في تقديم هذه الأغاني التي كانت تحظى بشعبية بين الأجيال السابقة، كنوع من إحياء التراث، أم أنه ينبغي عليهم أن يعملوا على تقديمها بشكل معاصر يلقى قبولًا أكبر من أبناء الجيل الجديد. نتيجةً لذلك، قررنا اتباع هذا الاتجاه عام 2016 تقريبًا، فعملنا على توزيعاتنا الخاصة التي تعكس رؤيتنا الفنية للتراث ووجهة نظرنا الموسيقية. أمّا بالنسبة لتأثير السخرية، فأعتقد أنّه فعّال للغاية. أرى أن الفنّ بحدّ ذاته هو تعبير عن حالة. وهذا هو نهجنا لأنّنا متأثرون بالأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المدرسة التي تتضمّن الأداء المسرحي والسخرية وما شابه ذلك. والدليل على تأثير هذا النوع في المجتمع هو استمراريته وبقاؤه حيّاً ليومنا هذا. فلا تزال الناس تستمتع إليه وتستعيده في مواقف عدّة، منها ظروف البلد السياسية والاقتصادية.
تذكر "بهية" أن الحركة الطلابية في السبعينيات كانت مصدر إلهام لموسيقاها. كيف تعبّر تلك الحقبة عن فنّ الفرقة وكيف تدمجها في أدائها؟
فرقة بهية تعمل على أسس التراث الاجتماعي والسياسي. وتتجذر فكرتنا في أن موسيقانا هي جزء لا يتجزأ من حقبة السبعينيات، إذ كانت تلك المرحلة من المحركات الأساسية للتغيير. واستوحينا من هذه المدارس الموسيقية واندمجنا مع القصص المحيطة بها والأحداث التي شهدتها.
قدمت "بهية" عروضاً في العديد من المهرجانات والأماكن في مصر والعالم العربي. هل يمكنك مشاركة بعض التجارب التي لا تُنسى أو النقاط البارزة من هذه العروض؟
بدأت رحلة الفرقة بتقديم عروضها في المهرجانات الشعبية، حيث كان الحضور يتجاوز ستة آلاف شخص في مسارح مفتوحة للجمهور. كنا نغني لفنانين مثل السيد درويش والشيخ إمام وزكريا أحمد. كنا نغني ما يرتبط بالحقبات القديمة التي تأثّرنا بها ووجدنا فيها تعبيراً لفكرتنا الفنية. انغمسنا في هذا النمط، وقمنا بإحياء هذه الأغاني من جديد، وكانت المفاجأة الكبرى هي انتشارها الواسع في الشارع. مع مرور الوقت، قرّرنا تغيير التوزيع الموسيقي ووضع لمستنا الخاصة، فقدمنا الأغاني وفقًا لرؤيتنا الفنية. وأول جولة لنا خارج مصر كانت في لبنان عام 2016، حيث حققنا نجاحًا باهرًا وأقمنا أربع حفلات استقطبت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، ما عكس تعطّش الناس لهذه العروض الفنية المميّزة. وبعد عامين، توجّهنا نحو الأردن، حيث بيعت جميع تذاكر حفلاتنا قبل وصولنا.
اللافت أن "بهية" تدمج نكهات من موسيقى الجاز والفانك، لماذا اخترتم هذه الأنواع من الموسيقى؟
الفكرة الأساسية للفرقة بدأت مع أربعة أعضاء رئيسيين، هم عمر سامي وعمر العيّاط وعبد الغني سيد وعمر خاطر، إذ يمكننا القول إنهم كانوا محرك الفكرة منذ بدايتها. وعندما قرّرنا تقديم توزيعات موسيقية خاصة لأغانينا، كنا نسعى للحفاظ على الكلمات واللحن الأصلي، لذلك بحثنا بعناية عن الكلمات الأصلية لتناسب التوزيع الجديد. وبما أنّه كان هناك أغان قديمة مغمورة لم تحظَ بتوزيع موسيقي سابقًا، أردنا أن نساهم في إعادة إحياء تلك الأغاني. وكانت هذه الخطوة بداية لتوسيع الأفق الموسيقي الخاص بنا، فاحتجنا لمزيد من الآلات الموسيقية والأفراد. ورغم اختلاف الخلفيات الموسيقية، كنّا متفقين ومقتنعين بالقيم والمبادئ نفسها. وجمعت التشكيلة النهائية للفرقة مواهب ثمانية أشخاص، بينهم من يملك خلفية موسيقى الجاز وآخرون موسيقى البوب أو الفانك. وأثّر هذا الاختلاف بشكل طبيعي على التوزيع الموسيقي الجديد، ما أضفى لمسة فريدة ومتميزة على أعمالنا.
كيف تصف وجود الفرقة على المسرح؟ وما هو الجو الذي تهدف إلى خلقه خلال عروضها؟
لحظة صعودنا إلى المسرح، وحتى نهاية العرض، يسود جو من البهجة يملؤنا بالسعادة. وتسعى الفرقة إلى إيصال رسالة للجمهور من خلال تقديم معطيات تساعد الناس على رؤية الأمور من زوايا مختلفة. وفي الواقع، تمثّل الفرقة لنا مصدرًا للمتعة أكثر من كونها مصدرًا للرزق. جميعنا لدينا مهن أخرى نمارسها لتأمين دخلنا، و"بهية" تُعَدُّ فقط نقطة التقاء فكرية وطاقة تجمعنا وتجلب لنا السعادة. ولهذه الأسباب، نحن عازمون على مواصلة هذا العمل لسنوات طويلة مقبلة.
ما هي بعض التحديات التي واجهتها الفرقة في ما يتعلق بالترويج لموسيقاها ومشاركتها في مصر وخارجها؟ وكيف تغلبتم على هذه التحديات؟
التحديات التي نواجهها تتعلق بشكل شخصي بأعضاء الفرقة والوقت المتاح لنا للتفرغ للمشروع والعمل على تطويره بشكل مستمر، فينبغي أن نوازن بين أعمالنا الأخرى والتزاماتنا في الفرقة. وأيضًا، تواجهنا تحديات فيما يتعلّق بتوسيع انتشار الفرقة وزيادة وجودها في الساحة الموسيقية. ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أنه في الواقع ليس هناك أي تحديات مادية بصراحة، فالفرقة ليست مصدرًا رئيسيًا للدخل بالنسبة لأي من أفرادها. ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل التحديات الشخصية والوقت المتاح وضرورة العمل على مواجهتها والتغلب عليها من أجل استمرار نمونا وتطورنا كفرقة.
هل يمكنك مشاركة رؤيتك وأهدافك لمستقبل "بهية؟ هل هناك أي مشاريع أو تعاونات مقبلة؟
أعترف بأن التغيّرات المستمرّة في المشهد الموسيقي وتفضيلات الجمهور يمكن أن تكون تحديًا في تحقيق نجاح مستدام للفرقة. لكن على الرغم من ذلك، يمكن أن تصبح هذه التحديات فرصًا لابتكار وتجديد أفكارنا وموسيقانا. ومن وجهة نظري، قد تكون الرسالة التي أردنا إيصالها من خلال فرقتنا لم تعد ذات أهمية كبيرة في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإننا نشعر بالرغبة القوية في توثيق هذه الحقبة المميزة من حياتنا، لأنّ "بهية" بالنسبة لنا ليست مجرد مجموعة من الأفراد الموهوبين، بل هي مساحة تعبر عن قيمنا الإنسانية والشخصية والمعنوية. أما عن عروضنا المقبلة، فسنقدم عروضًا في لندن، وكان لدينا حفلة في برلين، لكنها ألغيت بسبب رفض تأشيرتي.