مئة يوم ويومان هو عمر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. أكثر من ثلاثة أشهر من القتل المستمرّ، وأكثر من ثلاثة أشهر من مراجعة عالمية لمهنية الإعلام حول العالم، ودوره في تغطية حروب من حجم حرب الإبادة المستمرة بالوحشية نفسها في غزة.
هيمن العدوان على التغطية الإعلامية حول العالم في الربع الأخير من العالم الماضي، بينما تراجعت أحداث أخرى كانت تتصدّر المشهد حتى سبتمبر/ أيلول 2023، بينها الحرب الروسية على أوكرانيا، الحرب في السودان، الوجود الفرنسي العسكري في أفريقيا، وغيرها من القضايا العالمية مثل تطور الذكاء الاصطناعي وتحدياته الذي كان نقاشاً أساسياً في الأشهر التسعة الأولى من 2023.
لكن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول غيّر الحال. وتوجه اهتمام العالم نحو القطاع الفلسطيني الصغير، بعد عملية طوفان الأقصى، ثمّ العدوان الإسرائيلي الذي خلّف حتى الساعة أكثر من 30 ألف شهيد ومفقود تحت الأنقاض، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لا تظهر أية بوادر لتراجع حدة العنف والوحشية الإسرائيلية، مع تواصل الغارات على مختلف مدن غزة.
في هذا الإطار نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل أسبوعين تقريباً مقالاً لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وضع فيه شروطاً ثلاثة لإنهاء الحرب على غزة.
مشهد غزة في 2024
وقال نتنياهو في مقاله، الذي يردد الرواية الإسرائيلية المتكررة لتبرير حرب الإبادة على غزة، إنه "لا بد من تدمير حماس، ولا بد من نزع سلاح غزة، ولا بد من استئصال التطرف في المجتمع الفلسطيني"، مضيفاً "هذه هي الشروط الأساسية الثلاثة لتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين في غزة". ما يقوله نتنياهو، وما تنشره المواقع حول العالم، يؤشّر إلى أن هذه الحرب ستواصل تصدّر المشهد أقله في الربع الأول من 2024، وهو ما يحصل بالفعل حالياً، ونحن في منتصف الشهر الأول من السنة.
لكن الدعم الدولي لإسرائيل تضاءل بشكل ملحوظ مع ارتفاع عدد الشهداء وتسرب صور معاناة الفلسطينيين من غزة وتصدّرها الصفحات الأولى وشبكات الأخبار، ومع ارتفاع أعداد الشهداء من الطواقم الصحافية والعاملين في مجال الإعلام.
يقول موقع ديدلاين إن المتابعين سيراقبون عن كثب الطريقة التي يستخدم بها المشاهير والمؤثرون والسياسيون منصاتهم وحساباتهم التي يتابعها الملايين لمناقشة تبعات العدوان، واصفةً الوضع بأنه "ببساطة وضع رهيب، ولا يُظهِر في المستقبل القريب سوى القليل من علامات التراجع".
ما يريده الرأي العام
لا توجد مؤشرات تذكر، على اقتراب إسرائيل من هزيمة المقاومة الفلسطينية، وبالتالي مع استمرار المعارك في أنحاء القطاع ستستمر تغطية الصحافة العالمية. يواجه نتنياهو ودولة الاحتلال الإسرائيلي مخاطر حقيقية سببها الأساسي الفشل في تحقيق أي انتصار على الأرض يمكن تصديره للعالم وللمجتمع الإسرائيلي، إلى جانب تغيّر الرأي العام العالمي تدريجياً خلال الأشهر السابقة، فارتفعت الأصوات أكثر وأكثر، للمطالبة بوقف إطلاق النار.
تغيّر الرأي العام هذا، ينعكس بشكل أساسي باستفتاءات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية. إذ كشفت مجلة "ذي نيشن"، يوم الجمعة الماضي، أنّ استطلاعاً جديداً للرأي أظهر أن الأميركيين أكثر ميلاً إلى دعم المرشحين إلى الكونغرس الذين يدعمون وقف إطلاق النار. بحسب المجلة فإنّ جماعات الضغط ولجان العمل السياسي الداعمة لإسرائيل، تنوي إنفاق مبالغ طائلة من أموال الحملات الانتخابية لهزيمة أعضاء مجلس النواب التقدميين الذين يدعمون وقف إطلاق النار في غزة. وأشارت إلى تقارير نشرت في الولايات المتحدة تفيد بأن لجنة الشؤون العامة الأميركية ــ الإسرائيلية وحلفاءها يمكن أن ينفقوا ما يصل إلى 100 مليون دولار لتحدّي الديمقراطيين الحاليين الذين يتمتعون بشعبية واسعة مثل كوري بوش، ورشيدة طليب المطالبتين الأسياسيتين بإصدار قرار لوقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب نواب آخرين مثل إلهان عمر، وألكسندريا أوكاسيو كورتيز، وجمال بومان.
بعد الحرب
من جهتها تنقل وكالة رويترز عن ساسة ومحللين أن الرؤية الإسرائيلية لغزة ما بعد الحرب حتى الآن هي محاكاة لنموذج الضفة الغربية المحتلة، من خلال وجود سلطة معينة لإدارة الشؤون المدنية بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية. وهو ما يعني بدوره تغطية صحافية إضافية حتى بعد انتهاء العدوان، لشكل الحياة في القطاع.