ما أشبه اليوم بالماضي. هذا ما يمكن أن نستلخصه من تفاصيل مسرحية "غرفة رقم 8" المقتبسة من نص من رواية "عنبر رقم 6" لأنطون تشيخوف (1860 ــ 1904) نقلتها إلى العربية سارة الزين.
مجموعة من خريجي معهد الفنون في لبنان اختاروا تقديم هذه المسرحية، التي على قدر ما تحمل من إسقاطات على أحوال لبنان، على قدر ما تبهرنا بطريقة الأداء، واللغة السهلة التي دمجت بين النص وقدرة المخرجة رنين كسرواني وزميلها علي رومية على زج كل هذه الحقائق والصور في مدة لا تتجاوز الساعة الواحدة.
هي الغرفة رقم 8 في مستشفى للاضطرابات العقلية في ريف ناء. تعاني هذه الغرفة من نقص في الأساسيات، وتتحول إلى مساحة موبوءة بفعل الرطوبة، وقلة التغذية التي يعانيها ساكنوها، وصولاً إلى أساس المشكلة ومحاولة المسؤولين عن الغرفة محاربة المرضى للتخلص منهم، وهو أمر مرهون بيد السلطة، أي الادارة والمدير المسؤول عن هذا القسم تحديداً.
ثمة ما هو أفظع من أوضاع الغرفة المسكونة بحالات اجتماعية مدمرة. غرفة أخرى تُعرف باسم الغرفة البيضاء، يتعرض فيها المضطرب نفسياً إلى شتى أنواع العذابات التي يمكن أن يصادفها من هو مثله. رؤية أولى من خلال مريضة في الغرفة البيضاء تروي مأساتها على المسرح وأمام زملائها في الغرفة رقم 8، وترجوهم ألا يخبروا المسؤولين عنهم حتى لا يلاقوا المصير الذي لاقته.
يسقط النص حكايات أبطال المسرحية كضحايا لظواهر اجتماعية في العالم العربي هي أشبه بـ"تابوهات"، بدفع جديد على المسرح والحركات واستغلال التقنيات التي تلبسهم. مواجهة مجتمع خارجي ظالم لا يقل خطره عن اللجوء إلى مستشفى الاضطرابات العصبية حيث يعشش الفساد.
بين فكّي كماشة تحاول إحدى المريضات التأقلم مع حال الحريق الذي أودى بحياة أسرتها. أحرقت المنزل بعد أن انقلبت الشمعة صدفة ولم يتنبه لها أحد من عائلتها. خرجت تحمل المأساة. أصابها انهيار عصبي جراء ما حصل. كادت تتخطى هذه الفاجعة لولا اتهامات محيطها بأنها السبب في مقتل أهلها، حتى وصلت إلى هذه الغرفة كمحاولة هروب، لتقع مجدداً في يد طبيب وممرض فاسدين يعملان على إنهاء حياتها ومن معها بكافة الوسائل المتاحة.
كان مؤثراً أن يمرر المخرج علي رومية وزميلته رنين كسرواني رسائل خاصة تخرج من رحم المجتمع في لبنان، في صورة مشابهة لما يعيشه المتفرج على هذا العرض في أقل من ساعة. وهنا بيت القصيد؛ تفرح وتحزن على هؤلاء، الذين لا مفر لهم، كما حال اللبناني، من أداة الفساد والقتل والسرقة والنهب. هؤلاء الذين كادوا يستقلون بحياة آمنة، ولظروف خاصة وصل بهم الحال إلى مستشفى يحاول مسؤولوه قتلهم بدلاً من إنقاذهم.
يحسب للممثلين الخروج من عباءة الخوف، في أول تجربة مباشرة أمام الجمهور، أداء متمكن يحفظ لهم حقوق الاستمرار والمتابعة. حركات مقنعة تلتزم بالوقت، وايحاءات تتخطى إطار الحزن الكبير الذي يعيشونه، لتصبح أمامنا كالمرآة التي ننكرها نحن كمتفرجين مررنا بحالات مشابهة لكننا لم نداوها بل نحاول التحايل على المنقذ المتمثل في طبيب جديد موفد إلى الغرفة رقم 8، والذي يُقتل في الغرفة نفسها، لترتسم نهايات لا مفر منها.