"ع أمل"... مقاربة بوليوودية لقضية عادلة

25 ابريل 2024
المسلسل من بطولة ماغي بو غصن (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "ع أمل" يبرز كاستثناء في الموسم الرمضاني بتناوله قضية جرائم قتل النساء في لبنان بجرأة، مفتحاً باب النقاش حول الحرب النسوية ضد المجتمع وكسر الصور النمطية للمرأة اللبنانية في الدراما.
- القصة تتبع يسار، التي تلعب دورها ماغي بو غصن، في نضالها من أجل حقوق المرأة ضمن مجتمع يمنع التعليم والاختيار الحر للزواج، مع تطورات درامية تشمل النجاة من محاولة قتل وتغيير الهوية.
- على الرغم من الثغرات الدرامية، "ع أمل" يحسن بنائه الدرامي مع تقدم الحلقات، مما يعزز التعاطف مع الشخصيات ويقدم نقداً لدور برامج التلفزيون النسوية في المجتمعات الذكورية، لكنه يغفل دور الدولة في ترسيخ العنف ضد النساء.

مرت المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة في الموسم الرمضاني الأخير على الشاشات مروراً عابراً، فلم ينجح معظمها بترك أثر يُذكر، لتندثر حكاياتها بعد إسدال الستار على الحلقات الأخيرة في نهاية رمضان. لكن الاستثناء الوحيد بينها هو مسلسل "ع أمل"، للكاتبة ندين جابر والمخرج رامي حنّا؛ إذ نجح بترك بصمة واضحة بسبب تناوله لقضية مؤثرة، فاتخذ من جرائم قتل النساء في المجتمعات المنغلقة في لبنان موضوعاً له، وسلّط الضوء على الحرب النسوية ضد المجتمع، ليفتح أبواب النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كسر "ع أمل" الصورة التي نمّطت المرأة اللبنانية في الدراما التلفزيونية، إذ اعتادت هذه الأخيرة على تصوير لبنان موطناً لتحرر النساء والانفتاح مقارنة بباقي البلاد العربية. وصورت المرأة اللبنانية في غالبية المسلسلات السابقة كدمية بلاستيكية تنحصر اهتماماتها بالجمال والموضة، أو الحب في أفضل الأحوال، لتكون بيروت في الدراما المصرية مثلاً وجهةً سياحية لإجراء عمليات التجميل ومواعدة النساء الجميلات. وهذه الصور لا تعكس الواقع، فقد تلقت "كفى"، وهي منظمة مدنية لبنانية مدافعة عن حقوق النساء، خلال عام 2023 اتصالاً من 2676 امرأة تعرضن للعنف على يد شركائهن أو أقاربهن. وهذا الواقع كان بعيداً عن الدراما.

لذلك، شكّل المسلسل صدمةً للجمهورالعربي الذي كان جاهلاً لما تتعرض له النساء في لبنان من انتهاكات، وخلق حالة تعاطف مع الشخصية الرئيسية، يسار التي تؤديها ماغي بو غصن، فتلعب الأخيرة دور مقدمة برامج نسوية شهيرة من ضيعة كفر حلم، التي تُمنع النساء فيها من ممارسة أبسط حقوقهن، كالتعلم واختيار أزواجهن.

حكاية يسار قد بنيت بطريقة بوليوودية، إذ يحاول شقيقها قتلها بسبب هروبها من منزل زوجها لمواصلة تعليمها في بيروت، قبل أن تنجو من الموت بأعجوبة، لتجري عمليات تجميل تغير ملامحها وتعيش باسم وهمي خوفاً من ملاحقة عائلتها لها. الفرضية الرئيسية لا تبدو منطقية، والأساسات التي بنيت عليها الحكاية الرئيسية في الزمن الماضي هشة للغاية، ابتداءً من حكاية نجاة يسار من القتل، مروراً بالطريق الذي سلكته لتصبح شخصاً مختلفاً، لا يتعرف أهلها على ملامحها، عندما تصبح شخصية شهيرة. فهل تغير عمليات التجميل الإنسان إلى هذا الحد؟ وإذا تغير شكلها، فكيف لم تميزها عائلتها من صوتها؟ حتى إن بعض القصص في الزمن الحاضر تبدو بوليوودية أيضاً، كقصة ريّا (ابنه أخ يسار) التي تلعب دورها ريان حركة، التي ترتاد الجامعة في بيروت سراً. المسلسل مليء بالثغرات الدرامية في طرح قصص الشخصيات، بما فيها شخصية البطل المضاد، نبال (مهيار خضور)، وحكايته، فهو يُساهم في تحريك الأحداث.

ورغم هشاشة البناء الرئيسي للحكاية، ووجود العديد من الثغرات الدرامية فيها، لكن اللافت في "ع أمل" أن البناء الدرامي فيه كان يتحسن مع تقادم حلقاته، لينسى الجمهور المشكلات في أساساته مع إتقان البناء الدرامي الجيد في المراحل اللاحقة؛ فالمقدمات غير المنطقية ضُبطت لاحقاً ونجم عنها نتائج منطقية، وصار المسلسل في الحلقات الأخيرة منه أكثر إثارة، بعد أن شبكت الخطوط الدرامية كلها بعقدة واحدة، وبسبب وحشية الظرف العام، والتعاطف المتزايد مع جميع النساء في المسلسل.

وزاد من جمال العمل أنه قدم محاكاة لبرامج تلفزيونية معروفة، تُقدم نصائح حول علاقة النساء بالرجال؛ فقدمت ماغي بو غصن محاكاة لشخصية المذيعة المصرية رضوى الشربيني التي سخّرت برنامجها للدفاع عن النساء، وقدمت منافستها تينا (رنين مطر) محاكاة لشخصية المذيعة ياسمين عز التي تعطي النساء نصائح بما يخدم الأفكار السائدة في المجتمعات الذكورية.

هكذا، خلقت هذه المحاكاة المزدوجة نوعاً من المحاكمة المنطقية لهذه البرامج ضمن سياق الحكاية الميلودرامية. لكن، تبقى مشكلة المسلسل، أنه حيّد الدولة وأغفل دورها بترسيخ معاناة النساء، بسبب تساهلها مع العنف ضدهن وعدم الجدية بعقاب المعتدين عليهن.

المساهمون