عن هوس مهرجان "كانّ 2024" بأميركا والتزامه بمساواة جندرية

09 يونيو 2024
فرانسيس فورد كوبولا على السجادة الحمراء في مهرجان كان 2024 (فيتوريو تشيلوتو/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُثار تساؤلات حول الحماسة المفرطة للسينما الأميركية في مهرجان كان السينمائي الـ77، مع التركيز على الحضور الجماهيري الكبير ووفرة الإنتاجات الأميركية.
- غريتا غِرويغ ترأس لجنة التحكيم، مما يطرح نقاشات حول معايير الاختيار بين النجاح التجاري والتوازنات الجندرية في ظل حركة MeToo.
- تُظهر العلاقة بين مهرجان كان و"نتفليكس" تحديات حول معايير اختيار الأفلام والتأثير المتزايد لمنصات البث الرقمي على السينما العالمية.

تساؤلات، أقرب إلى ملاحظات نقدية، تطرحها الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) من مهرجان "كانّ" السينمائي:

ما سرّ تلك الحماسة للسينما الأميركية، أفلاماً وسينمائيين ـ سينمائيات ونجوماً؟ أيكون السرّ استغلالاً للحضور الجماهيري الطاغي لها في العالم؟ أم أنّ وفرة إنتاجاتها دافعٌ إلى اختيار ما يُظنّ أنّه الأفضل والأهمّ، أو ربما الأكثر تجاريةً، وبعض العاملين والعاملات فيها يُنجزون تُحفاً تستحقّ أنْ تُشرِّف المهرجان بعرض دولي أول لها فيه؟ هذا لا علاقة له فقط بغيابها في الدورة السابقة، بسبب إضرابات هوليوود. فحماسة مهرجان "كانّ" للسينما الأميركية سابقةٌ على تلك الإضرابات، ولاحقة عليها أيضاً.

الحماسة تلك تبلغ مرتبةً غير مفهومة، وإنْ تكن مُبرّرة فإنّها غير مقبولة: ما موقع غريتا غِرويغ في النتاج السينمائي غير التجاريّ، الذي (الموقع) يحثّ على اختيارها رئيسةً للجنة تحكيم مسابقة الدورة الـ77 هذه؟ ألكونها مخرجة فيلمٍ ("باربي"، 2023)، تبلغ إيراداته الدولية أقلّ من مليار ونصف مليار دولار أميركي بقليل؟ أم لرغبةٍ ملعونةٍ في إيجاد توازنات جندرية عشوائية، بإتاحة حيّز أكبر للنساء، خوفاً من مطاردةٍ للمهرجان باسم MeToo، وتداعياتها؟

الدورة الأخيرة تلك مفتوحة على كبارٍ في صناعة السينما الأميركية، طبعاً. توازن آخر تُتقن إدارة مهرجان "كانّ" تحقيقه بدقّة: التجاريّ الاستهلاكيّ مقبولٌ، وبكثرة أحياناً. لكنْ، في المقابل، هناك روائع جديرة بأنْ يتشرّف المهرجان بعرضٍ دولي أول لها في صالاته. تكريمان يختاران اثنين من أبرز عناوين تلك الصناعة، باختلافٍ واضح في النوع والأسلوب والعوالم السينمائية: ميريل ستريب وجورج لوكاس، وهذا إضافة للمهرجان لا العكس. أفلامٌ لفرنسيس فورد كوبولا ويورغوس لانتيموس وبول شرايدر (المسابقة)، وكيفن كوستنر وجورج ميلر (خارج المسابقة) مثلاً، وهذا غير معنيّ بالمُشاهدة، التي تتيح وحدها تبياناً نقدياً لكلّ مُنجز سينمائيّ منها. لكنّ التعليق مبنيٌّ على أسماء صانعيها، والأسماء أحياناً تقول الكثير قبل المُشاهدة.

انفتاحٌ كهذا غير لاغٍ أهمية التساؤل عن حماسةٍ، تنحدر أحياناً إلى مرتبة غير لائقة بمهرجان يُصنَّف "فئة أولى": اختيار أفلامٍ غير لائقة به (أقلّه بحسب دورات سابقة)، وأفرادٌ يُشاركون في لجان تحكيم.

الحماسة نفسها تؤدّي إلى تساؤل عن علاقة مهرجان كان بـ"نتفليكس". في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017)، تواجِه إدارته نوعاً من حملةٍ ضدها، لاختيارها فيلمين اثنين تُنتجهما المنصّة الأميركية، يُعرضان في المسابقة: "أوكجا" لبونغ جوون ـ هو، و"حكايات مِيروفيتز" لنواه بومباخ. والحملة، التي تقودها شركات توزيع الأفلام في فرنسا تحديداً، مرتكزةٌ على تضادٍ بين قرارين يتناقض أحدهما مع الآخر، فالمنصّة غير سامحةٍ بعرض فيلمٍ لها في الصالات التجارية حينها (لاحقاً، تُبدِّل قرارها، فتُتيح عرضاً كهذا ولو لفترة قصيرة)، والأفلام المختارة في المهرجان يُفترض بها أنْ تُعرض تجارياً.

بدءاً من الدورة اللاحقة على تلك، يتوقّف المهرجان عن اختيار أفلامٍ لـ"نتفليكس". الدورة الـ77 تُفتَتح بـ"الفصل الثاني" لكُنتان دوبيو، التي تُشارك المنصّة في إنتاجه: أهذا تحايل على المتفّق عليه بين المهرجان وشركات التوزيع الفرنسية؟ أإلى هذا الحدّ تُنتج "نتفليكس"، أو تُشارك في إنتاج أفلامٍ، يجهد المهرجان في الحصول على حقّ العرض الدولي الأول لها في صالاته؟ هذا يؤدّي إلى ملاحظةٍ أخرى: فرغم أنّ للمنصّة أفلاماً مُسرفة في اشتغالاتٍ سيئة، في مواضيع وأساليب معاينة وسرد أولاً، هناك أفلامٌ، وثائقية تحديداً، تمتلك شرطها الإبداعي الباهر، وأخرى روائية تحاول ـ بتعاونها مع سينمائيين وسينمائيات ذوي مصداقية سينمائية يُركن إليها كمرجعٍ أو حالة أو تحريضٍ على تفكير وتأمّل ـ صُنع لغةٍ تُكمل الفعل السينمائي المطلوب، وإنْ على شاشة منصّةٍ.

أمّا أنْ يختار مهرجان "كانّ" فيلماً لـ"نتفليكس"، فهذا يحتاج إلى إجابة واضحة: إنْ يستحقّ الفيلمُ اختياراً وعرضاً، فليكن. لكنّ المأزق أنّ آلية الاختيار بحدّ ذاتها، في "كانّ" وفي مهرجانات أخرى، ملتزمةٌ قواعد ومفاهيم وشروطاً خاصة بتلك المهرجانات، ولا علاقة لها بنقدٍ و"سينيفيليّة".

المساهمون