عن جنون يحكم العالم اليوم

04 مارس 2024
يوفال أبراهام: نعم للمساواة بين الإسرائيلي والفلسطيني (جون ماكْدوغال/فرانس برس)
+ الخط -

 

تهديد مخرج إسرائيلي بالقتل في بلده، بسبب موقفٍ له داعمٍ لفلسطين ورافض للإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، غير مفاجئ البتّة. فذاك البلد، المؤسَّس على أرضٍ محتلّة، يحكمه قتلة، يعملون في السياسة والأمن والعسكر والإعلام، والأخير (الإعلام) أداة قتل أخطر من غيرها أحياناً، فالتزوير والتخوين والتلفيق، وتغييب حقائق ووقائع، وإبراز أكاذيب، مسائل تحرّض على قتل، فيُصبح كلُّ "مواطن" موتور وجاهل آلةَ قتل تسير على قدمين، وإطلاق الرصاص لن يحتاج إلى أمر مباشر.

تهمة يوفال أبراهام، المشارك في إخراج "لا أرض أخرى" مع الفلسطينيين باسل عدرا وحمدان بلال والإسرائيلية راخِل شازور ـ الفائز بجائزتي "جمهور قسم "بانوراما برلين" لأفضل فيلم وثائقي" و"أفضل فيلم وثائقي" في الدورة 74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي" ـ متمثّلةٌ بكلامٍ ترفضه الزمرة الحاكمة في إسرائيل، وأتباعها الخاضعين لرغباتها وهواجس أفرادها، أو المنتفعين من تلك الرغبات والهواجس. كلامٌ قليلٌ ومكثَّف، لكنّه يقول شيئاً من حالةٍ، يُدركها كثيرون وكثيرات، رغم أنّ الغالبية الساحقة منهم ـ منهنّ غير آبهة، أو غير معنية، أو حاقدة، أو رافضة، أو مزوِّرة. أي، باختصار، مُساهِمة في حرب الإبادة الإسرائيلية هذه، ولكلّ حربٍ أو تصرّف لأي زمرة حاكمة.

للإبادة الإسرائيلية أهدافٌ أخرى غير الفلسطينيين والفلسطينيات، فكلّ من يُخالف الزمرة رأيها، إنْ يكن فلسطينياً أو عربياً أو أوروبياً أو أميركياً، أو يهودياً أو إسرائيلياً، وربما يهودياً وإسرائيلياً تحديداً، يُعاقَب بشدّة، والعقاب متنوّع الأشكال، وأقصاه قتلٌ.

يقول أبراهام إنّ هناك عدم مساواة بينه كإسرائيلي وبين عدرا الفلسطيني، لأنّه (أبراهام) يعيش في ظلّ "نظام مدنيّ"، بينما عدرا يُقيم في "نظام عسكري". يقول أيضاً إنّه يتمتّع بحقّ التصويت، أما هو فلا: "يُسمَح لي بالتحرّك بحرية في هذا البلد، في حين أن باسل، مثل ملايين الفلسطينيين، مُقيّد في الضفة الغربية المحتلّة". يطلب "إنهاء عدم المساواة هذه بيننا"، فهما يُقيمان في بلدٍ واحد، والمسافة بينهما 30 دقيقة فقط. ألنْ يُذكِّر هذا، ولو مواربة، بـ"200 متر" (2020) للفلسطيني أمين نايفة، مع أنّ الحكاية تعاين انشقاقاً يُحدثه المحتلّ الإسرائيلي بين الفلسطينيين ـ الفلسطينيات، بسرد يوميات أفراد عائلة فلسطينية واحدة، يشقّ جدار الفصل العنصري بين الأبّ من جهة، وزوجته وأولاده من جهة أخرى؟ انشقاق كهذا غير حاصل فقط بين فلسطينيين ـ فلسطينيات ودولة الاحتلال، بل بين دولة الاحتلال وأبناء لها وبناتٍ، يرفضون سياسةً واشتغالاً يرتكزان على قمع وتغييب وتهجير وإبادة.

كلام يوفال أبراهام غير مقبول إسرائيلياً. كلّ كلام ينطق به يهودٌ أوروبيون وأميركيون مثلاً، يُدين الحاصل في فلسطين المحتلّة، وينادي بحلّ جذري يبدأ بإقامة دولتين، ويطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار، وإدخالاً سريعاً للمساعدات الإنسانية، كلامٌ كهذا مرفوضٌ في إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدّة (من دون تناسي أصواتٍ أوروبية وأميركية تقول به، رغم كلّ المنع والقهر والتضييق والتخوين، رغم قلّة هذه الأصوات)، والرفض يبلغ حدّ التهديد بالقتل، والقتل سمة زمرة حاكمة.

الحاصل في إسرائيل، تحديداً، غير مفاجئ: إنّه الجنون في أسوأ مراحله. جنون يتفشّى في أوروبا والغرب أيضاً، وهذا "مخيف". أهناك مفردات عربية أخرى، غير الجنون والخوف، تصف فعلياً ما يحصل في العالم اليوم؟

المساهمون