عمر سليمان... عن عدم عودة الشيخ إلى صباه

14 اغسطس 2022
يحاول سليمان العودة إلى جذوره في أغنيته الجديدة (جوديث بوروز/Getty)
+ الخط -

لا بد من لغة شعرية حين الحديث عن الجزراوي السوري عمر سليمان، المغني، المطرب، ملك نوادي الليل الأوروبيّة، آسر المستشرقين، مغيظ السوريين، المُختلَف حول مشروعه الفني، مدشن خشبات جائزة نوبل، المُقلق في مواقفه السياسية، ونهايةً صاحب النظارة الشمسية التي لم ولن يخلعها مهما اشتد الظلام، سواء في النادي الليلي أو في الزنزانة في أنقرة حيث أوقف.

المقدمة السابقة لا تكفي للحديث عن صاحب "ورني ورني"، لكن للضرورة الصحافية لا بد من التعريف بأبو ماهر الذي أصدر أخيراً أغنية جديدة عنوانه "غيدا" من غنائه طبعاً، ومن كلمات الشاعر سليمان الرحيل. الواضح في هذه الأغنية، ومن دون أي اعتماد على دراسات نقديّة، أنّ "الكيصر"، يحاول العودة إلى جذوره. الخشبات الأوروبية أصابته بالملل؛ أجانب شقر يتمايلون على أنغام موسيقى "التيكنو". أنغام "التيكنو" تحضر بتواضع في هذه الأغنية، إذ اكتفى سليمان بالتراث الكردي، موظفاً الأورغ والكمنجة والزرنة والساز. لا أصوات إلكترونية غريبة وإيقاعات "أجنبية"، وكأننا أمام عودة إلى البدايات، أي الأعراس الشعبية والحفلات الخاصة حيث الآلات متواضعة التي تصدح إلى جانب نشاز سليمان.

تدور أحداث الفيديو كليب في أربيل، في منزل قديم أو أثري، الأمر غير واضح. لكن لنكن أدق، لا توجد أحداث، هناك عمر سليمان و"الفنانة الاستعراضيّة" دادو مراد الملقبة بـ"عسول" التي تدور وتتمايل بخجل حوله وهو يخاطب محبوبة ما، أو غيدا، قائلاً: "مجنن كل مين شافو، مرسومة بريشة فنان، رموش عيونه وشفافه".

البحة في صوت عمر سليمان أوضح هذه المرة، هل نحن أمام أسلوب متأخر؟ أو علامة على السنوات الطويلة من الغناء أو التدخين؟ لا نعلم، لكن ما نتيقن منه أن لا نصيب لسليمان في من يغني لها. وهنا يمكن تفسير البحة، سوء تسجيل؟ لا، صوت سليمان نفسه تغير؟ أيضاً لا. هي علامة على النداء للمحبوبة التي لن تأتي، تلك التي أضحت طيفاً، يستحضره سليمان منذ الأزل، إلى حد تحول إلى Meme (صورة ساخرة) حالياً. فشهرة سليمان واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا بالضبط ما يجعله مُحيراً أمام النقاد، العاجزين عن الإجابة عن سؤال واحد: كيف نقرأ عمر سليمان ثقافياً؟

تدفعنا الأغنية إلى الرقص والتمايل، كحال كل أغنيات عمر سليمان، بل تبدو كأنها لا تختلف عن سابقاتها، مع ذلك، لا نستطيع سوى تكرار سماعها، وهذا بالضبط سبب الغموض والجدل المحيط بسليمان. أغنياته بالنهاية، "ترقّص" وتلفت الانتباه، وحين البحث عن الأغنية نكتشف "تسريبات" للفيديو كليب الخاص بها أثناء التصوير في أربيل. لكن حين مشاهدة "التسريبات" نرى أنها غير موجودة في الفيديو كليب، فهل هناك أغنية ثانية؟ أم أنَّ الأمر خدعة دعائية؟ لا يهم، المهم أننا نرقص ونتمايل.

لا بد أن نشير إلى عنوان المقال المقتبس من الكتاب الشهير لأحمد بن سليمان بن كمال باشا، واستخدمناه للإحالة إلى بعض الانتقادات التي وجهت إلى سليمان وعمله مع الفنانة الاستعراضيّة، في إشارات جندرية وجنسية. لكن أحقاً يمكن التعامل مع سليمان بهذا الشكل واستخدام أساليب القراءة المعاصرة لتقييم "مُنتجه"؟ لا نتجاهل الذكورية في طروحاته، وتوظيفه للتراث الذي يمكن أن يكون إشكالياً، ولا حتى غموض مواقفه السياسية. لكن قراءة من هذا النوع لسليمان مجحفة. هو يغني فقط. لا يحمل أي رسالة، ولا حتى فنيّة، ودخوله السوق الأوروبي كان غريباً ومغيظاً للكثيرين. مع ذلك، لم يتكبر، ولم يتغير، بقي الشخص اللطيف نفسه الذي يسمح للمعجبين بالتسلل إلى الكواليس، والتقاط الصور معه شرط أن يأكلوا ويشربوا ما هو موجود، وليرد دائما بـ"لا" لطيفة، على كلّ من يطلب منه نزع النظارة.

المساهمون