تضاعفت الانتهاكات الرقمية بحق المحتوى الفلسطيني بمقدار 14 ضعفاً خلال عام 2023، مقارنة بالانتهاكات الرقمية الموثقة عام 2022، وتصاعدت ممارسة مزيد من الحجب للمنشورات الفلسطينية، والانحياز للاحتلال الإسرائيلي في إبادته للفلسطينيين، في ظل تواطئ شركات التكنوولجيت وفقاً لما رصده مركز صدى سوشال.
تأسس مركز صدى سوشال في سبتمبر/أيلول 2017، لرصد وتوثيق الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني، ويعمل على دعم الحقوق الرقمية الفلسطينية، وينشط في التصدي للمحتوى الزائف والاحتيالي على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
فبينما كان الفلسطيني يقتل في قطاع غزة والضفة الغربية، شددت منصات التواصل الاجتماعي رقابتها على المحتوى الذي ينقل الإبادة الجماعية، وحذفته، وقللت من وصوله إلى المستخدمين، ومارست تحيزاً خوارزمياً مكثفاً تجاه المحتوى المؤيد لفلسطين داخل فلسطين وخارجها، واستحدثت إبادة جديدة في المنصات الصوتية والمحادثات الخاصة وحتى "ويكيبيديا".
ولم يكن واقع الصحافيين أحسن حالا، فهم يمثلون أكثر من 45 في المائة من المستخدمين الذين تعرضوا للانتهاكات الرقمية خلال عام 2023، وقد وصلت إلى "صدى سوشال" شكاوى مختلفة عن تعرض صحافيين وناشطين لمحاولات اختراق، تحديداً عبر منصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب المملوكة لشركة ميتا. كما وصلت أكثر من 370 رسالة إلى مستخدمين عبر "واتساب" تخبرهم بأن أحدهم يحاول الدخول إلى حسابهم من جهاز آخر، مع رمز الدخول.
وفي التقرير السنوي الذي أصدره "صدى سوشال" الأحد الماضي، وعنوانه "مجزرة عصر الإنترنت: الرقمية كسلاح في الإبادة"، دقّق في سلوك الفضاء الرقمي وشركات التكنولوجيا العالمية تجاه الفلسطيني الواقع تحت احتلال وحرب إبادة جماعية.
واصلت كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم في انحياز إنتاجها وخدماتها التكنولوجية والرقمية لإسرائيل، حتى وسط ارتكابها إبادة جماعية في قطاع غزة. وبدلاً من أن تشكل الوقائع المصورة للجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية نقطة تحول في استراتيجية هذه الشركات في التعامل مع جيش الاحتلال، أخدت تزوّد الجيش بالتقنيات والمعدات التكنولوجية وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
خلال الأيام الأولى للحرب عطّلت شركة غوغل البيانات المرورية من خرائطها لفلسطين، مع استمرارها تجاهل المعلومات الصحيحة بشأن الخرائط الفلسطينية واعتماد الإسرائيلية التي تضفي للمستوطنات في الضفة الغربية صفة قانونية، عدا عن استمرارها في مشروعها "نيمبس" بالتعاون مع "أمازون"، والذي يقدم خدمات سحابية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
واستمرت شركة أمازون في تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي والمراقبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المستخدمة لقمع الناشطين الفلسطينيين، وفرض الحصار على غزة، وتقديم خدمات تحليل البيانات التي يجمعها الجيش عن الفلسطينيين.
شركة إنتل الأميركية تلقت منحة خلال العدوان من حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 3.2 مليارات دولار، لإنشاء مصنع جديد للرقائق، كأكبر استثمار في شركة داخل الأراضي المحتلة، أما شركة إنفيديا لصناعة الرقائق الإلكترونية فتبرعت بـ15 مليون دولار لمنظمات إسرائيلية وأجنبية غير ربحية لدعم إسرائيل في عدوانها على غزة، بعد أن طوّرت في مايو/أيار 2023 أقوى حاسوب عملاق للذكاء الاصطناعي في إسرائيل والمسمى 1-Israel.
واصلت كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم في انحياز إنتاجها وخدماتها التكنولوجية والرقمية لإسرائيل
وحتى شركة مايكروسوفت المتورطة أصلاً قبل الحرب بجمعها معلومات عن الفلسطينيين وتقديمها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أصدرت خلال الحرب بيانات عدة داعمة لإسرائيل، وعرضت تبرعات المنظمات إسرائيلية، بينها جمعية أصدقاء الجيش الإسرائيلي غير الربحية.
ولا يقتصر تعاون شركات التكنولوجيا مع الاحتلال الإسرائيلي على الانحياز والدعم، بل انعكس على حقوق الفلسطينيين، بدءاٍ بما وفره هذا الدعم التقني والتكنولوجي من تعزيز إمكانات القتل لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ شملت تتبع الفلسطينيين وانتهاك خصوصياتهم، وفرض مزيد من الحصار والتضييق الرقمي عليهم، مع حجب خصائص وتقنيات عنهم كانت يمكن أن تفيدهم وتجعلهم أكثر مواكبة للتقدم التقني.
وقد شكّل مثلاً حظر عرض المعلومات على خرائط "غوغل" مشكلة للفلسطينيين في التنقل بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، بل عرض حياتهم للخطر مع منح حكومة الاحتلال الجيش أوامر بإطلاق النار على أي فلسطيني "قد يرتاب في أمره"، فسجلت حالات إطلاق النار على عدد من الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم على باب مستوطنة إسرائيلية مقامة في الضفة بسبب معلومات "غوغل"، أو أمام حاجز اسرائيلي طارئ لم يستطع السائق الفلسطيني أن يعلم به مع تعطيل بيانات الحركة المرورية من الخرائط.
وتضاعفت خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة حدة الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني، وممارسة مزيد من الحجب للمنشورات الفلسطينية، والانحياز للاحتلال الإسرائيلي في إبادته للفلسطينيين، فبينما كان الفلسطيني يقتل في قطاع غزة والضفة الغربية أنفذت منصات التواصل الاجتماعي رقابتها على المحتوى الذي ينقل الإبادة، وحذفته، وقللت وصوله، ومارست تحيزاً خوارزمياً مكثفاً تجاه المحتوى المؤيد لفلسطين داخل فلسطين وخارجها.
قبل العدوان، لم يكن الحيز الرقمي على منصات التواصل مكاناً حراً وآمناً للتعبير الفلسطيني، لكن حرب الإبادة الجماعية كانت نقطة تغير في سلوك المنصات، وقد أعلنت الأخيرة صراحة وقوفها إلى جانب إسرائيل، وسارعت في تغيير سياساتها بما ينسجم مع هذا الإعلان، وأحدثت تطورات خطيرة في إنفاذ الرقابة شمل المحادثات الخاصة والرقابة على المتابعة، واستجابت لطلبات النيابة العامة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لإزالة المحتوى الفلسطيني.
بعد أيام من بدء حرب الإبادة الجماعية غيرت منصات التواصل الاجتماعي سياسة الخصوصية
بعد أيام من بدء حرب الإبادة الجماعية غيرت منصات التواصل الاجتماعي سياسة الخصوصية، وتضمنت السياسات المعلنة إجحافاً واضحاً بحق الفلسطيني بنشر ما يتعرض له، أو أن يخبر العالم روايته وسرديته للأحداث. بكلمات أخرى، أرادت منصات شركة ميتا وإكس وساوند كلاود وتيك توك أن يسمع العالم الخطاب الإسرائيلي فحسب.
حدثت منصة فيسبوك من سياسة الخصوصية للمحتوى في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشددت فيها على إجراءات التقييد على "الأفراد الخطيرين والمنظمات الخطرة"، والتي تضم مفردات وصورا كبيرة من الرواية الفلسطينية أو حتى التغطية الإخبارية الصحافية في فلسطين.
أدرجت منصات شركة ميتا وتيك توك وإكس شعار "من البحر إلى النهر" (بالعربية والإنكليزية) كجملة واحدة في بند الحظر، تحت زعم "معاداة السامية".
حجبت منصات شركة ميتا روابط القنوات الإعلامية على "تليغرام" التابعة للمؤسسات الإعلامية والفصائل الفلسطينية، ومنعت المستخدمين من نشر الروابط الإخبارية حتى على محادثتهم الخاصة في "ماسينجر"، كما عادت بأثر رجعي لحظر صفحات المؤسسات الإعلامية التي نشرت روابط قنواتها على "تليغرام" حتى لو كانت المنشورات قبل الحرب.
أعلنت ميتا حظر عدد من الوسوم على منصة إنستغرام، ووفق متابعة "صدى سوشال" كان "#طوفان_الأقصى" من ضمن هذه الوسوم المحظورة.
كما أفادت "ميتا" بأن إزالتها للمنشورات لا تقتصر على الحرب الحالية، فهي تقوم بمراجعة الحسابات منذ عام 2021، وإزالة المنشورات التي تعتقد أنها مرتبطة بحركة حماس، وتحذف حسابات فلسطينية تم إعادة إنشائها من بعد عام 2021.
وألغت "ميتا" خيار الاعتراض على التقييد، أي أنها لن تقوم بمراجعة المحتوى الذي حذفته أو الحساب والصفحة العامة التي حذفتها، وبالتالي حجبت حق الاعتراض لدى مجلس الإشراف المستقل فيها، ما يشكل إمعاناً في حجب الرواية الفلسطينية عن سبق إصرار وتصميم.