على أنقاض معبد رع: مشروع "سكن لكلّ المصريين"

14 سبتمبر 2021
تمثال سنوسرت الأول (Getty)
+ الخط -

في الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2013، أعلنت وزارة الآثار المصرية أنها تمكنت بالتعاون مع هيئة الأوقاف وحيّ المطرية وبتأمين قوات الشرطة من إزالة تعديات بعض المواطنين على أرض مزرعة السجون في منطقة المسلة الأثرية بحيّ المطرية بمحافظة القاهرة والبالغ مساحتها 54 فداناً، والمملوكة لهيئة الأوقاف تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار.
وقال محمد إبراهيم، وزير الدولة لشؤون الآثار آنذاك، إن هذا الإجراء "يأتي في إطار المجهودات التي تبذلها الوزارة للحفاظ على تراثنا الحضاري بإزالة أي شكل من أشكال التعديات على أي موقع أثري في كل المحافظات". وفي الثاني والعشرين من إبريل/ نيسان 2021، عاينت لجنة من هيئة الأوقاف، وأخرى من حيّ المطرية، أرض مزرعة الـ54 فداناً في منطقة المسلة، وقامت لجنة هيئة الأوقاف، بتسليم الأرض، وذلك تمهيداً لإقامة مشروع سكني، قالت مصادر إنه سيكون ضمن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، "سكن لكلّ المصريين".
وانتقد الكاتب والباحث في شؤون التراث ميشيل حنا، إقامة مشروع سكني على أرض المسلة بالمطرية، وكتب على حسابه الخاص على "فيسبوك": "الأرض خلف مسلة سنوسرت الأول في المطرية، وهي من المفترض مكان المعبد القديم الخاص بالمسلة، سيبنون فيها مشروعاً إسكانياً اسمه: سكن لكلّ المصريين، وبدأوا العمل فعلاً، والمكان مليء بالبلدوزرات (آليات الحفر)، ما يعني أنّك بعد شهر ستنظر إلى المسلة، فتجد في خلفيتها أبراجاً من 11 دوراً، فضلاً عن كون المكان موقعاً أثرياً، ومن المحتمل أن تكون فيه بقايا للمعبد تحت الأرض، فهل هذا يعقل؟". ومزرعة المسلة عبارة عن قطعة أرض تصل مساحتها إلى عشرات الأفدنة، توجد في حيّ المطرية بشرق القاهرة خلف المسلة الفرعونية الشهيرة، التي يتوافد إليها السياح من جميع أنحاء العالم لمشاهدة عظمة قدماء المصريين في فنّ النحت والبناء.
أطلق على هذه الأرض اسم "مزرعة المساجين"، لأن مصلحة السجون كانت تجعل المساجين يقومون بزراعتها، وكانت تعرض ما تنتجه للبيع لأهالي المطرية. ودخلت وزارتا الآثار والأوقاف في نزاع، وقالت الأولى إنّ فيها آثاراً فرعونية، بينما قالت الثانية إنّ هذه الأرض وقف وتخضع لإشرافها، ثم تدخلت القوات المسلحة ووضعت كتيبة فيها لفترة. تُركت الأرض لفترة من دون استغلال، انتظاراً لنتيجة النزاع، حتى بارت وأصبحت مكباً لمخلفات المباني، وسكنها المجرمون في عصر الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك.

علوم وآثار
التحديثات الحية

وتعتبر مسلة المطرية آخر ما بقي من مدينة أون (هليوبوليس) التي كانت مركز عبادة إله الشمس رع. وقد أمر الملك سنوسرت الأول بنحت هذه المسلة للاحتفال بمناسبة مرور 30 عاماً على حكمه، وهو حدث سياسي هام في معبد رع. وهذه المسلة أقدم مسلة عُثِر عليها حتى الآن، وكان من المعتاد أن يوضع زوجان من المسلات في مدخل المعبد، وقد نقلت المسلة الأخرى الخاصة بهذا المعبد إلى مدينة نيويورك الأميركية لتنصب في أحد ميادينها. قطعت هذه المسلة من محاجر الغرانيت بأسوان، ويبلغ ارتفاعها حوالى 22 متراً، وتزن نحو 121 طناً، وتزخر بنقوش هيروغليفية تسجل اسم الملك ومناسبة إقامتها.
وفي فبراير/شباط 2018 افتتح وزير الآثار، خالد العناني، المتحف المفتوح في منطقة المسلة بالمطرية، وذلك بعد الانتهاء من مشروع تطوير وتجهيز الموقع وإعداده للزيارة ليكون متحفاً مفتوحاً يضمّ مسلة الملك سنوسرت الأول وقطع أثرية من نتاج أعمال الحفائر بالمنطقة، التي سيبنى عليها مشروع "سكن لكلّ المصريين". وقال العناني خلال الافتتاح الذي حضرته مجموعة من سفراء الدول الأجنبية والعربية بالقاهرة والمستشارين الثقافيين، ومديري المعاهد الثقافية الأجنبية وعدد من الشخصيات الهامة، إن تكلفة تطوير المتحف وصلت إلى 6 ملايين جنيه، ولفت إلى أن المتحف كان يضم 36 قطعة أثرية، إلا أنه بعد إضافة آثار أخرى له من مكتشفات المطرية، أصبح المتحف يضم 135 قطعة أثرية.

وأوضح أن من أشرف على هذا المشروع وعمل على الانتهاء منه، هو المجلس الأعلى للآثار، الذي كان يتبع وزارة الثقافة، لافتاً إلى أن العمل في هذا المشروع بدأ في أغسطس/آب 2008، وتمّ الانتهاء منه في أكتوبر/تشرين الأول 2010، وكان المخطط الاستيفاء من بعض متطلبات وزارة الداخلية استعداداً للافتتاح المقرر في يناير/كانون الثاني 2011، إلا أنه أُرجئ، ولم يفتتح من وقتها.
وأضاف العناني أنّ المطرية تُعَدّ واحدة من أهم المدن العريقة، وواحدة من أكبر عواصم مصر القديمة، وأوضح أن المطرية منطقة عريقة منذ بداية التاريخ المصري القديم، تعرضت لضرر في الغزوين الفارسيين، الأول سنة 525 قبل الميلاد، والثاني سنة 343 قبل الميلاد، ما أدى إلى تكسير وتدمير آثار كثيرة فيها. وفي العصر الإسلامي وتأسيس القاهرة بدأت تستخدم أحجار المطرية وآثارها لبناء أسوار القاهرة ومساجدها، وهذا ما يفسر سبب تحطيم أحجار آثار القاهرة قديماً. وطالب العناني أهالي المطرية بمساعدة مسؤولي المنطقة في الحفاظ على منطقتهم العريقة، وذلك لضمان تحقيق الجذب السياحي المنشود لها. وأشار العناني إلى أن البعثة الأثرية المصرية - الألمانية العاملة في منطقة "سوق الخميس" بالمطرية، تمكنت من اكتشاف حوالى 1900 جزء صغير جديد لتمثال الملك بسماتيك الأول، منها جزء يحمل اسم الملك بسماتيك الأول، الذي اكتُشِف في مارس/ آذار الماضي.

وأكدت أستاذة الآثار المصرية، القائمة بأعمال عميد كلية الآثار والتراث الحضاري في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، مونيكا حنا، أن البناء على أرض المسلة مخالفة صريحة لقانون الآثار المصري الذي ينص في مادته الـ20 على أنه "لا يجوز منح تراخيص للبناء في المواقع أو الأراضي الأثرية. ويحظر على الغير إقامة منشآت، أو مدافن، أو شق، أو إعداد طرق، أو الزراعة في المواقع أو الأراضي الأثرية أو في المنافع العامة للآثار أو الأراضي الداخلة ضمن حرم الأثر أو خطوط التجميل المعتمدة. كذلك لا يجوز غرس أشجار، أو قطعها، أو رفع أنقاض، أو أحجار، أو أخذ أتربة، أو أسمدة، أو رمال، أو القيام بأي عمل يترتب عنه تغيير في معالم هذا المواقع والأراضي إلا بترخيص من المجلس وتحت إشرافه. ويسري حكم الفقرة السابقة على الأراضي المتاخمة التي تقع خارج نطاق المواقع المشار إليها، التي تمتد حتى مسافة ثلاثة كيلومترات في المناطق غير المأهولة، أو للمسافة التي يحددها المجلس بما يحقق حماية بيئة الأثر في غيرها من المناطق".
وتنص المادة الـ21 من القانون نفسه على أنّه "يجب عند تخطيط المدن أو الأحياء أو القرى، مراعاة مواقع الآثار والأراضي والمباني الأثرية التي توجد بها. ولا يجوز تنفيذ التخطيط المستحدث، أو التوسع أو التعديل في المناطق الأثرية والتاريخية وما في زمامها إلا بموافقة كتابية من المجلس بذلك...". وتلزم المادة الـ17 من القانون "وزير الآثار أو من ينوب عنه بوقف أعمال التعدي على أي موقع أو عقار أثري".

المساهمون