بالرغم من التعاطف الإعلامي والسياسي في الدنمارك مع أوكرانيا في الحرب الدائرة على أراضيها، إلّا أنّ الاستخبارات العسكرية الأوكرانية اتخذت قراراً بسحب اعتماد مراسلة هيئة البث العام الدنماركية (دي آر) ماتيلدا كيمر.
وأثار القرار موجة عتب وسخط في الأوساط الصحافية في الدنمارك، خاصةً أن كيمر اتهمت بأنّها "متعاطفة مع الجانب الروسي" في تغطياتها من جبهات القتال، وفي حديثها عن المناطق الانفصالية شرقي أوكرانيا وجنوبها.
وكانت مراسلة التلفزيون الدنماركي قد استدعيت إلى "جلسة" مع الاستخبارات الأوكرانية، جرى خلالها على ما يبدو "التفتيش" في الصفحات الشخصية لكيمر على منصات التواصل الاجتماعي، وتمّ التركيز على منشورات تسبق بسنوات بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، واعتبرت "أدلة على التحيّز".
ورفض القائمون على "دي آر" الاتهامات الأوكرانية بالتحيّز، وأكّدوا أنّ تغطية النزاع تتمّ من خلال "مراسلة موهوبة تتمتع بالخبرة وغطت الشأنين الأوكراني والروسي لأكثر من 12 عاماً".
واعتبر مسؤول التغطية الدولية في "دي آر"، نليز كفالي، أنّ تغطية القناة للحرب "متوازنة ونقدية كما كانت دائماً"، مشيراً إلى أنّ القرار الأوكراني سيزيد من صعوبة تقديم تغطية متوازنة للحرب.
وكانت ماتيلدا كيمر أحد أكثر المراسلين نشاطاً في تغطية الأوضاع في روسيا، إذ أقامت في موسكو طوال 14 عاماً، قبل أن تقوم السلطات الروسية بطردها ومنعها من دخول البلاد، من دون السماح لها بجمع مقتنياتها، وذلك بعد أن وجهت إليها التهمة نفسها، أي "التحيّز".
ويبدو، بحسب تصريحات كيمر، أنّ الأوكرانيين أرادوا أن يفرضوا شروطهم على تغطيتها بنفس الطريقة التي فرضت فيها موسكو على الصحافيين عدم استعمال عبارة الحرب الروسية والاكتفاء بوصفها "عملية خاصة". وقالت كيمر إنّ رجال الأمن الأوكراني أرادوا منها القيام بـ"تغطية جيدة"، أيّ الأخذ بالسردية الأوكرانية فحسب من دون وضع أسئلة وانتقادات على الروايات والوقائع.
وسحب اعتماد المراسلة من كييف بعد اتهامها بأنّها "تقوم بالترويج للبروباغندا الروسية"، ممّا يلقي الضوء على صعوبة تغطية الصحافيين للصراع العسكري الدائر.
واعتبرت أغلب الصحف الدنماركية، وكذلك نقابة الصحافيين في كوبنهاغن، وعددٌ من السياسيين، أنّ ما جرى "نكسة لحرية الصحافة".
ويعني تجريد كيمر من الاعتماد أنّها لن تكون قادرة على العمل مراسلة بشكل رسمي، وستفقد ميزات كثيرة، منها حرية التحرك والتحدث إلى المصادر والوصول بحرية إلى الجبهات العسكرية، وذلك بحسب رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني إلى المراسلة من وزارة الدفاع الأوكرانية، والتي أشارت إلى أنّ القرار جاء بناء على توصية "إدارة أمن الدولة في كييف".
وجاء القرار الأوكراني الذي كشفت عنه المحطة الدنماركية يوم الاثنين الماضي، بعد جلسة بين المراسلة والأمن الأوكراني، بحضور ممثل عن البعثة الدبلوماسية الدنماركية، في الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الحالي. وأدّى القرار إلى تواصل وزير الخارجية الدنماركي الجديد، لارس لوكا راسموسن، أمس الثلاثاء، مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا الذي وعد بمراجعة حيثيات القرار.
مع ذلك أكّد راسموسن أنّه لا يتوقع أن يحلّ الموضوع قبل بداية العام الجديد، وشدّد في الوقت نفسه على أنّ القضية لا يجب أن تتسبّب بأزمة بين البلدين. واعتبر أنّ الصراع في أوكرانيا يقوم أساساً "من أجل الحفاظ على ازدهار الديمقراطية، وحرية الصحافة جزء من ذلك"، مضيفاً: "كل من تابع تقارير ماتيلدا كيمر يعتبرها متوازنة، لذلك يؤلمنا هذا القرار".
ومن المتوقع أن يؤدّي قرار كييف سحب اعتماد مراسلة من الدنمارك، التي يقف شعبها ومشرعوها وأحزابها مع أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، إلى استغلاله من قبل أطراف دنماركية تتهم أوكرانيا بأنها "فاسدة وغير ديمقراطية".
وشدّدت مديرة الأخبار في التلفزيون الدنماركي سيندي فرينش على أنّ الاتهامات ضدّ كيمر "لا أساس لها من الصحة وغير عادلة". واعتبرت أنّ ما جرى "شكّل صدمة لنا"، معيدةً التذكير بأنّ "من أهم مبادئ دي آر الحرية التحريرية والمستقلة للقيام بعملٍ صحافي عادل، وذي مصداقية للدنماركيين. لذلك تبرز إشكالية عميقة عندما يحاول شخص ما، بغض النظر عن هويته، تقييد هذه الحرية".
من جانبها، دخلت السفارة الأوكرانية في الدنمارك على الخط، واتهمت المراسلة وجهات أخرى بـ"التلاعب بالحقيقة"، وبأن القرار يمنع كيمر من الوصول إلى جبهات القتال وليس من المراسلة من أوكرانيا".