استمع إلى الملخص
- تحتوي أرجل طيور البحر على نتوءات حسية ومستقبلات تذوق، مما يمكنها من اكتشاف الفرائس المدفونة دون إشارات بصرية، ويعكس إبداعها التطوري.
- أظهرت دراسة الجينوم أن الجين التنظيمي يلعب دوراً حاسماً في تطوير الأرجل والنتوءات الحسية، مما يبرز كيفية بناء السمات الجديدة من جينات قديمة.
طيور البحر (Sea Robins) هي حيوانات غير عادية، لها جسم سمكة وأجنحة طائر وأرجل مشي مثل السلطعون. في دراسة جديدة نشرت في مجلة Current Biology، يوم 26 سبتمبر/أيلول الماضي، أظهر باحثون أن أرجل طائر البحر لا تُستخدم للمشي فقط. في الواقع، إنها أعضاء حسية حقيقية تُستخدم للعثور على الفرائس المدفونة أثناء الحفر.
يرى المؤلفون إن هذه السمكة نمت لها أرجل باستخدام الجينات نفسها التي تسهم في نمو أطرافنا البشرية، ثم أعادت استخدام هذه الأرجل للعثور على الفرائس باستخدام الجينات نفسها التي تستخدمها ألسنتنا لتذوق الطعام. تجعل هذه الأرجل الست السمكة ماهرة للغاية في الركض والحفر والعثور على الفريسة، لدرجة أن الأسماك الأخرى تميل إلى الحركة بالقرب منها وسرقة غنائمها.
يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة كوري آلارد، باحث ما بعد الدكتوراه في علم البيولوجيا الجزيئية في جامعة هارفارد، أن لقاءً في عام 2019 مع هذه الأسماك الغريبة ذات الأرجل في مختبر الأحياء البحرية في "كيب كود"، كان كافياً بالنسبة له لإثارة اهتمامه بدراستها ومتابعة سلوك حياتها... يقول لـ"العربي الجديد": "لقد رأينا أن لديهم (في مختبر كيب كود) بعض أسماك البحر في حوض، وأظهروها لنا، لأنهم يعرفون أننا نحب الحيوانات الغريبة. أسماك البحر هي مثال على نوع له سمة غير عادية للغاية وجديدة للغاية. أردنا أن نستخدمها نموذجا لنسأل: كيف تخلق عضواً جديداً؟".
جاءت الانطلاقة الحقيقية لدراسة طيور البحر بعد أن لاحظ الباحثون أن الأسماك الأخرى تتبعها في كل مكان، بسبب مهارتها في الكشف عن الفرائس المدفونة، فأصبح الباحثون مهتمين بدراستها، وأخذوا بعض طيور البحر إلى المختبر لمعرفة المزيد. وأكدوا أن طيور البحر يمكنها بالفعل اكتشاف واستخراج مستخلص بلح البحر المطحون والمصفى وحتى الأحماض الأمينية الفردية.
ووجدوا أن أرجل هذه الأسماك مغطاة بنتوءات حسية، إذ يتلقّى كل منها تغذية كثيفة من الخلايا العصبية الحساسة للّمس. كما تحتوي هذه النتوءات على مستقبلات تذوق تظهر حساسية كيميائية تدفع هذه السمكة العجيبة إلى الحفر. يعتقد الباحثون أن أرجل طائر البحر هي في الواقع امتدادات لزعانفه الصدرية، التي لديه ثلاث منها على كل جانب.
في البداية، حدد الفريق البحثي ما إذا كانت الأرجل أعضاء حسية حقيقية، وهو ما اشتبه فيه العلماء ولكن لم يؤكدوه. ثم أجروا تجارب لمراقبة طائر البحر وهو يصطاد فريسته، فيتناوب بين نوبات قصيرة من السباحة والمشي. كما تخدش هذه الأسماك سطح الرمال في قاع البحر أحياناً، للعثور على فرائس مدفونة، مثل بلح البحر وغيره من المحار، من دون الحاجة إلى إشارات بصرية.
أدرك الباحثون أن الأرجل حساسة لكل من المحفزات الميكانيكية والكيميائية: "لقد أذهلتنا الأرجل المشتركة بين جميع فصائل طيور البحر، والتي تجعلها مختلفة عن معظم الأسماك الأخرى. فوجئنا برؤية مدى اختلاف طيور البحر عن بعضها بعضاً في الهياكل الحسية الموجودة على الأرجل. وبالتالي، يظهر النظام مستويات متعددة من الإبداع التطوري من الاختلافات بين طيور البحر ومعظم الأسماك الأخرى، والاختلافات بين أنواع طيور البحر، والاختلافات في كل شيء من البنية والأعضاء الحسية إلى السلوك"، يضيف المؤلف الرئيسي للدراسة.
أكد الباحثون أن هذه النتوءات تمثل ابتكاراً تطورياً رئيسياً سمح لهذه الكائنات بالنجاح في قاع البحر بطرق لا تستطيع الحيوانات الأخرى القيام بها. في الدراسة، نظر الباحثون بعمق في الأساس الجيني لأرجل السمكة الفريدة.
استخدموا تسلسل الجينوم، والملف النسخي، ودراسة الأنواع الهجينة لفهم الأساس الجزيئي والتنموي لتكوين الساق. حدّدت تحليلاتهم عامل نسخ قديما بما هو محدد رئيسي لتطور الساق الحسية لطيور البحر.
وأكد تحرير الجينوم أن هذه الأسماك تعتمد على هذا الجين التنظيمي لتطوير أرجلها طبيعياً. يلعب نفس الجين أيضاً دوراً حاسماً في تكوين النتوءات الحسية لطيور البحر وسلوك الحفر لديها. يقول كوري آلارد: "على الرغم من أن العديد من السمات تبدو جديدة، فإنها عادة ما تكون مبنية من جينات ووحدات موجودة منذ فترة طويلة".